الفصل الرابع



منكمشة على نفسها، تضم ركبتيها المثنيتين إلى صدرها بقوة تحاول تقليل الرجفة الهازة لجسدها، تحدق في الباب المنغلق ببعض الحدة فيما صوت أمها يرغي ويزبد مستعينًا بالله على جنون ابنتها المحتوم.
زفرت ملقية برأسها فوق قمة ركبتيها، بدت شديدة الهشاشة بغلالة نومها الخفيفة بقماشها شبه الشفاف، انزلاق أكتافه أبرز توترها.
حررت نفسها من وضعيتها المتخاذلة، تناولت أول ثوب وقعت يديها عليه بلا حتى تدقيق في ملائمته لمقابلة خطيبها أم لا.
عضت شفتيها أثناء إندساس جسدها في القماش، اللوم كله عليها، لِمَا أخبرت والدتها بما تعتزمه من فسخ الخطبة والإنفصال عن خطيبها وابن خالها في نفس الوقت، الأصح هو الفسخ أولًا.
وقفت أمام المرآة تمشط شعرها المشعث من نوم العصاري الذي أفاقت منه بفعل أمها تخبرها ببشر وأمل في إنصلاح الأحوال بعدما بادر منير بخطوة الصلح.. تظنها ستتراجع بذلك.
لا تنكر أن قلبها ارتجف، لأول مرة يكون البادئ في فض الخلاف، دائمًا ما تركها تلهث خلفه، تتوسل وهو يتكبر، كيف حقًا صمتت على ذلك سابقًا؟، مَن مِن بينهما المتوقع منه الدلال والتمنع؟
عقصت شعرها دائم الرفرفة بشدة فوق كتفيها البيضاوين، صار المزيج بين تسريحته وثوبها القاتم الملامسة أطرافه الأرض باعثًا على الجدية والتشبث بالموقف.
بالكاد ترك مجلسه ليعود فوقه من جديد قبل حتى إكماله لوقوفه في ترحيب بقدومها، وجهها الجامد أخبره بأن الآتي ليس كما يهوى.
انسحبت الأم مبتهلة في سرها، تتمنى عودة الرشد إلى عقل ابنتها الكبرى، ستفلت عريسًا لا يعوض.
-كيف حالك؟
أجابت ببرود: بخير، أتمنى لك المثل
طأطأ برأسه هنية ثم أخذ شهيقًا: اعتذر
-عن ماذا بالضبط؟
راقب إرتفاع أحد حاجبيها بإندهاش، منذ متى تُلح بالأسئلة وتتعقب كلماته، كانت تطير فرحًا إن نطق أول حرفين في صلح بينهما.
إزدرد ريقه: عن تركي لكِ يوم الحفل تعودين بمفردك.. لم يكن ينبغي عليّ فعل ذلك
سخرت: هذا فقط؟.. ماذا عما يسبقه؟
زفر بضيق: ماذا تريدين مني أن أقول؟
-الأهم.. ماذا تريد أنت أن تقول؟
طال صمته فتنهدت تستجمع شجاعتها لنطق التالي: تنازلت كثيرًا من أجل حبي لك، دعست فوق كرامتي وكبريائي لأكون زوجتك، ركنت نادية فوق الرف وبدأت في تشكيل نادية أخرى تناسب متطلباتك.. ليس لشيء سوى حبًا فيك، سعيًا لأكون كما ترغب
عضت باطن شفتها السفلى: لكني تعبت، صرت أقف أمام جدار صخري يمنعني عن متابعة السير خلفك، لم أعد أبالي بإبعاده عن طريقي أو معرفة كنهه
نزعت المحبس من بنصر يمناها ووضعته على الطاولة المنخفضة وبصوت ميت أنهت كلامها: لقد أنتهينا
عيونه لا تترك تفصيلًا دقيقًا في وجهها إلا وتفترسه، همهم دون أن يشعر: تغيرتي
بابتسامة بائسة تحمل وجعًا يراه لأول مرة وقفت متحاملة على ساقيها الواهنتين: لم أتغير، ولكن كما أخبرتك.. نادية التي تعاملت معها لم تكن أنا حقًا
مرت بكفها أمام جسدها نزولًا: أما الواقفة أمامك الآن هي جزء من نادية التي أُلقيت فوق الرف
استدارت وتركته يتأمل كلامها الجديد على مسامعه، أغلقت باب الغرفة بهدوء مبالغ فيه واستندت عليه تحاول صد أذانها عن الإصغاء إلى توسلات أمها المستصرخة، تُلقي اللوم على عملها تارة ومراهقتها تارات أخرى، بينما كانت عيونها تعبر عن تأثرها بما حدث قبل برهة بنهر من الدموع الجارفة.
***
لم يعبأ أي منهم بحرارة الشمس الباعثة على الإختناق وقت الظهيرة، لا أحد ألقى بالًا إلى قطرات العرق المترقرقة فوق الجباه، مضى عدة أسابيع على سفرهم إلى مختلف الأنحاء بطول النيل وفروعه، حيث مركز إنتشار تلك الديدان، يحاولون بث الوعي في أذهان الناس، يكتشفون المرضى بتحاليل بسيطة وملاحظة الأعراض المبدئية، فريق كامل متطوع بكامل إرادته متنازل عن مقابل جهده المبذول.. ممرضات وممرضين، ثلاثة أطباء من ضمنهم نبيل، غرام تعاونهم وترافقهم كي تتابع التطورات وتدونها في مقالة دورية تخبر المجتمع القارئ الجديد في هذه الحملة.
انتشت برئيس تحرير الجريدة ومجلس إدارتها، لقد رحبوا بالفكرة أشد الترحاب، وتطوع أحدهم بتمويل جزء منها ودفع آخرين لذلك.
مالت على طفل أسمر بشعر شديد القصر، تربت على رأسه وتعطيه حلوى بعدما إنصاع بأدب لفحوصات الطبيب وأجاب أسئلته، وقف نبيل على بُعد خطوات يراقب إشراق وجهها بالحنان والحب تجاه الصغير، ابتسامة لا شعورية احتلت شفاهه؛ ستكون من أحن وأجمل الأمهات في الدنيا، يكفي وقوفها بصبر وتعاملها الهادئ المقنع مع النساء المستحيات، تتطوع للمساعدة بكل إخلاص، تقوم بإجراء الفحص عوضًا عن إحدى الممرضات لتجعلها تنال فترة من الراحة وإن قصرت.
شعر بيد قوية لكن بحنان تمسك بكتفه، ابتسم دون أن يتطلع إلى صاحب، غير قادر على مفارقة وجه غرام المتعرق والإرتواء من نظراتها المتعبة لكن اللامعة بنفس الوقت: لقد كنت محقًا
شبه تقطيبة ظهرت على ملامح الرجل الأكبر سنًا بكثير: دائمًا ما أكون محقًا.. لكن في أي شيء تقصد؟
هز رأسه جهة وقوفها: لم تكن وحدها في حاجة إلى رؤيتي خارج إطار الزواج.. كذلك أنا احتجت رؤيتها دون مرآة الحب، أرى واقع حياتي معها حقيقة كيف ستكون
-وهل غيرت رأيك؟
التفت إليه بحدة قائلًا بحزم واثق: إطلاقًا، بل زاد تمسكي بها ورغبتي في إتمام ما بدأ
استطاع رؤوف إخفاء ضحكته بمهارة وهز رأسه: إذًا فلتلحق بها.. يبدو أنها عادت لممارسة عادتها في التجاول؛ استكشافًا للمحيط
نزع معطفه الأبيض مسرعًا ومده إلى الممرضة القريبة يحث الخطى ليتتبعها، سمع صوت رؤوف المتعالي من خلفه: لا تتأخرا عن موعد الغداء يا فتى.. لن استطيع انتظاركما مطولًا
حالما فصلت بينهما خطوة عاد يتمهل في خطواته، يسير إليها جنبًا إلى جنب محافظًا على مسافة جيدة بين أكتافهما، التفتت ناحيته ثم ابتسمت حينما رأت وجهه، ارتفع وجيب قلبه لكنه لم يدم، استدارت تراقب المياه السارية في الترعة المجاورة، يفصلهما عن مياهها منحدر تتبعثر فوقه الأشجار معتمدة على تلك المياه في حياتها.
-والدك تحسن جدًا خلال الفترة الماضية
أومأت متنهدة: أجل، انتظم في تناول دوائه دون الحاجة إلى الركض خلفه أو إلحاح أحد عليه، رؤيته لأناس لا تعلم أنها مصابة بأي داء ثم عدم وجود علاج مناسب بل ميئوس من بعضها كذلك جعله ينظر لمرضه بشكل مختلف، تيقن أنه أكثر حظًا.. فهو يعلم مرضه ويملك علاجه
نظرت إليه مبتسمة بإشراق فيما يدها تحط كمظلة من أشعة الشمس التي داهمت عينيها حالما تطلعت إلى جهته: الفضل يعود لك، اقتراحك في ذهابه معنا كفترة نقاهة واسترخاء كان في محله.. أشهد لك بذلك
-لم أفعل شيئًا يستحق امتنانك، كنت أتمنى للعمة سعاد أن تحضر كذلك، كانت ستسعد بهذه الأجواء الريفية والخضرة البراقة
ضحكت بنعومة: وتحرم حبيبها الأكبر والأوحد إحسان دون دلالها، من سابع المستحيلات
شاركها الضحك بخفة: أما يزال يغيب ثم يأتي حين ترميه الأمواج؟
-تعرفه، إنه بحار متعصب للبحر، لا يمل الحديث إلى الأسماك بينما يموت ضجرًا إن سمع صوت إنسان، حالته عجيبة.. لكن كل هذا لا يهم عمتي، يكفيها أنه "رجل" و"سيد الرجال" كما تقول، هذا كافٍ ليفعل ما يشاء وقتما يشاء
-ألا تشتاقينه؟
-بلى، لكن الإعتياد علمني كبح جماح الإشتياق، إحسان يعشق إظهار شوقه لكنه يدفعه خلفه فور سماعه لنداء البحر
غمزت بمرح مخفية شوقها: ألا يحق لي تفضيل عملي مثله ولو لمرة؟
تركته وهبطت المنحدر الصغير متجهة إلى مجموعة من الأولاد، بدى عليهم الإتفاق على النزول إلى ماء الترعة، وقفت تحدثهم بسلاسة وتستمع إلى اعتراضاتهم.. منحتهم بديلًا عن لعبتهم الخطرة جالبة الأمراض، علّمتهم لعبة بالحجارة الصغيرة كانت تلعبها في الصغر، جديدة عليهم فأحبوا التجديد.
عادت تتسلق الإنحدار متقبلة كف نبيل الممدودة إليها، نظرت إلى الأولاد وركضهم إلى مساحة أكثر إتساعًا توفر لهم حرية اللعب.
بوجه مبتئس غمغمت: نطالبهم بالوعي وعدم استخدام تلك المياه الملوثة بالديدان والأمراض لكننا لا نقدم لهم بديل أنقى، كأننا نخيرهم بين حلّين لا ثالث لهما، إما تموتون من الشرب والاستحمام في الماء الملوث أو تموتون عطشًا وقذارة.. الخيار لكم
تنهد متفهمًا وقد ثقل حمله أكثر بعد هذه الخطوة التي ظنها تفتح طريقًا أمام هؤلاء الناس للنجاة: معكِ حق، لكن هذه القرية حالها أفضل من غيرها، إننا نحاول تقليل الاستخدام المسرف لما هو سيء، بالنهاية الأمر أقدار.. نحاول تخفيف وطأتها فحسب
سحبت كفها الذي تراخى بين أصابعه منذ ساعدها على صعود المنحدر، أحمر وجهها بسبب سهوها: لطالما تمنيت العيش في مكان محاط بالخضرة والنقاء، بيت صغير أو حتى كوخ.. لا يهم، يكفيني فيه الماء والخضرة
علق ضاحكًا بمرح: أنسيتي الوجه الحسن؟
ابتسمت بحب: ومن أجمل من رؤوف عبدالقدوس وجهًا يشاركني حلمي؟
التمعت عيونه بغموض قائلًا بنبرة محايدة: رجل تشاركينه حياتك، أدق تفاصيلها، تحققين أحلامك معه ويحقق أحلامه بجوارك
هزت كتفيها وعاودت السير بخطوات متراخية: بدأت أشك في وجوده في الدنيا
باغتها بسؤاله محاولًا إخفاء غيظه قدر المستطاع؛ فيبدو أنها لا تراه رغم الفترة الماضية التي أمضوها سوية: ما هي مواصفات الزوج التي تبغينها يا غرام؟
عقدت كفيها خلف ظهرها وتشاغلت بركل الحصى مهمهة بلهجة لم تستطع إخفاء الحالمية فيها: رقيق، عاطفي، ضحوك، متفائل، حلو المعشر وحلو اللسان
أتمت كلماتها ضاحكة: إجمالًا شخص يشبه رؤوف عبدالقدوس بالتمام والكمال
تسمر مكانه، وقفت على بعد خطوة تنظر إليه مستفهمة عن سر توقفه، قال بلكنة نزقة: أوتعرفين رؤوف عبدالقدوس حقًا كما يخيل إليكِ من الأساس؟
تغضن جبينها واختفت ضحكتها، سألته بكبرياء: ماذا تقصد؟
سخر –رغمًا عنه- كي  ينفجر في وجهها: إنك تعاشرين رؤوف عبدالقدوس كأب، أب متفهم، يشجعك على الركض خلف ما تهوينه، لا يجبرك على شيء ضد رغبتك، يلبي رغباتك، يعطيك الحب والحنان، المهتم بالمرح والإنبساط أكثر من العمل والإنتاج
توقف برهة مضيقًا حدقتيه: لكنك لم تعرفيه كرؤوف عبدالقدوس الزوج والحبيب، هل فكرتِ يومًا في هذا؟
شمخت برأسها وارتفع ذقنها، تحاول إخفاء إرتعابًا داهم دواخلها، دافعت عن فارس أحلامها الشبيه بوالدها؛ فنبيل لم يهاجم رؤوف وحده، بل فارسه الشبيه برؤوف أيضًا إن لم يكن أولًا: لا تنسى أني رأيت أمي حتى صار عمري عشر سنوات، اعترف أني لا أذكر أدق التفاصيل لكني أتذكر حبهما الجارف لبعضهما وتعلقهما ببعض.. أكبر دليل على ذلك هو عذوبية أبي منذ وفاتها
دس قبضتيه المتشددتين في جيبي سرواله الصحراوي، قال بجمود: أنا لم أشكك في مدى إخلاص أو حب أحدهما للآخر، ببساطة سألتكِ هل نظرتي إليه من منظور آخر.. منظور الحبيبة والزوجة كذلك الأم عوضًا عن منظور الابنة المدللة؟
أتاهم فتى يافع راكضًا يمسك طرف جلبابه الرمادي في قبضته؛ حتى لا يعيق رغبته في الإسراع يخبرهما حلول وقت الغداء وقد رصّ الطعام في منزل العمدة مضيفهم بالإنتظار.
لحقاه صامتين، يدرك أنها بحاجة لفترة كي تستوعب كلماته، لقد أنار في عقلها كهفًا مظلمًا لم تفكر يومًا في تواجده حتى، فكيف بالنظر داخله؟
كلماته كانت نابعة من رغبة في إفاقتها من غفلتها، أحلامها فائقة الخيال، ليست حالمة كما يسميها رؤوف بل مستحيلة، ترغب في إنسان نسخة عن آخر وقد خلق الله جميع البشر مختلفين، لكل شخصيته بما يميزها بصفات حميدة وسيئة، لِمَ لا تستطيع إدراك حقيقة بسيطة كهذه؟
يعترف أن غيظه كان من أجلها، ظنها أنها تحسن صنعًا بمواصفاتها القياسية تلك وهي ترتكب خطأ فادحًا في حق نفسها أولًا ثم في حق كل من تقدم لخطبتها، لا يهمه إن كان تفكيرها سيستقيم يومًا معه أو مع زوج غيره، يكفيه أنها ستحصل وقتها على السعادة بسهولة ويسر.
***
موقعها القريب من منتصف مائدة الطعام جعلها تستطيع مراقبة كل من حولها بسهولة، بأعين تحاول سبر أغوار والدها راقبته، تترصد حركاته وإنفعالاته، ترغب في رؤيتها بحيادية أكثر مما قد تراه الابنة، ضحكت والدها المجلجلة جراء حديثه مع العمدة على إحدى طرائف غفيره الساذج رسمت ابتسامة باهتة على شفتيها.
انتقلت نظراتها من يمين العمدة إلى يساره تحدق في الرأس ذي الشعر البني الفاتح بتسريحته الجانبية، ينخرط في حديث مع زميله المجاور، يتفقان كأطباء على الخطوة التالية ويتناقشان فيها بهدوء عقلاني، دراسة النتائج السابقة وتوقع القادم حتى لا يصدما به.
دارت برأسها ناحية الجهة المعاكسة تمامًا تراقب الممرضات المتضاحكات في خفية عن الأعين، منسجمات سوية، تمنت أن تشاركهم هزرهم لكن كلمات نبيل ترن في أذنها بشكل مستمر.
اسقطت نظراتها في طبق غدائها، تقلب الذكريات داخل جمجمتها، لم ترَ يومًا والديها على خلاف، دائمًا يتضاحكان ويتمازحان، الحب بينهما غمرها وجميع إخوتها.
ضاقت عيونها بعدما داهمتها خاطرة لأول مرة تمر ببالها، أيمكن أن هذا الوفاق كان عاكس زجاجي يظهره والداها ويختفي خلفه الخلاف والشجار؟
أيعقل أن أمها كانت تبدو ضاحكة مستبشرة فقط لأنها زوجة جيدة، لا ترغب في تشويش صورة والدهم أمامهم كأي أم حنون؟
سعلت بشدة تلفظ اللقمة المتوقفة في بلعومها، تصاحبها الأفكار الملعونة التي أصبحت تدور بلا هودة في ثنايا عقلها، لم تنظر جهة والدها الذي ظل يردد على مسامعها السؤال إن كانت بخير، عيونها ألقت نظرة مليئة بالكره والنبذ إلى نبيل مباشرة قبل أن تنسحب دون كلمة، صاعدة إلى غرفتها المشتركة مع بقية الممرضات.
***
تهادت في مشيتها، تتمختر فوق حذائها المرتفع الكعوب، تتوقف قرب أحد الحوانيت لشراء بسكويت أوريو الذي تعشقه ثم تتابع سيرها مستلذة بمزاقه الحلو.
تشعر بالسكينة تغمرها منذ فترة، تحديدًا منذ قطعت علاقتها بمنير، الجدال الدائم والشجار، محاولاتها استجداء رضاه وتلبية أمانيه جعلها منهكة، خمس سنوات في خطوبة بهذا الاستنزاف تركها مستهلكة، لا تنكر أنها استغرقت بعض الوقت لتعود إلى ما كانت عليه من ضحك وإشراق، لكن النتيجة في النهاية مرضية.
تشتاق إليه قليلًا بل كثيرًا، لكنها لم ولن تكون المرة الأخيرة لتذوق عذاب الإشتياق، ستعتاد الشوق وتتكيف معه حتى تظن أنها نسيت أن للشوق طعم، هكذا حدث مع ذكرى والدها -رحمه الله- وهكذا سيصير مع ذكرى منير.
كاد وجهها يبتئس لذكر اسمه في حنايا رأسها حين استدارت بغتة ودلفت إلى محل ملابس أنيق مقررة شراء ثوب أعجبها عبر زجاج العرض الأمامي للمحل.
ستتغلب على حزنها كما تفعل باستمرار، شراء ثوب جديد، حذاء أنيق.. أو حتى تجديد تسريحة الشعر ووضع بعض الحمرة للشفاه كفيل برفع معنوياتها إلى سابع سماء.


0 التعليقات:

إرسال تعليق