(58)


دخل الأب على ابنته ، وجدها منشغلة بالحديث إلى صغيرتها وتروي لها الحكايات حتى تنام.
ابتسم قائلاً: ما تتعبيش نفسك هي مش هتفهم حاجه
شاركته رنا ابتسامته: لا بتفهمني دي بنتي وشاركتني كل حاجه من ساعة ما خلقت
الأب بحنان: ربنا يخليكوا لبعض
رنا وهي تنظر لطفلتها بحب: أمين
تنحنح قائلاً: بأقولك إيه يا روني
أنتبهت له رنا: أيوه يا بابا
الأب بجدية: إحنا بقالنا كتير ما اتعشناش بره إيه رأيك نخرج إنهارده؟
رنا متعجبة: بمناسبة إيه ؟
الأب بلا مبالاة: كدا ، مزاجي ، المهم يلا قومي غيري هدومك واسبقينا
رنا بعدم فهم: اسبقكوا ؟ ، وأنتوا مش هتيجوا معايا ؟
الأب: لا أنا هأروح أودي حاجه لواحد صاحبي وأحصلك
رنا: طب ما أنا ممكن أجي معاكوا ونروح سوا
الأب مبرراً: أصل لو كلنا روحنا هيمسك فينا لكن لما أقوله بنتي مستنيانا مش هيقدر يقول لا
رنا موافقة: ماشي ، خلاص هأسبقكوا أنا والولاد
الأب مسرعاً: لا لا ، أنا أحفادي هيفضلوا معايا روحي إنتي
رنا بدهشة: أنا مش فاهمة حاجه
الأب بإصرار وغموض: مش مهم تفهمي ، نفذي الكلام وخلاص
رنا بطاعة: طيب لما نشوف أخرتها إيه
------------------
أنتهوا من تناول طعامهم ، أحضرت الشاي إلى غرفة الجلوس حيث وجدت مروان بمفرده ، وضعت الصينية متسائلة: أومال ماما وبابا وكمال فين ؟
أجابها مروان بهدوء: بابا دخل ينام وماما بتتكلم في التليفون أما كمال بقى فدخل يذاكر
جلست هدى على المقعد المجاور فعاتبها بحنان: يعني الناس سبتنا عشان ناخد راحتنا تروحي قاعده بعيد كدا ؟
أشار إلى مكان بجواره على الأريكة: تعالي اقعدي هنا
نفذت طلبه طائعة: حاضر
مروان بعشق: يا سلام ع الكلمة دي من بؤك ... زي العسل
ابتسمت بخجل: طب نتلم بقى
مروان بجدية: تعرفي إني لسه بأغير من كمال لحد دلوقتي
هدى بدهشة: دا أخويا !
أومأ: ما أنا عارف ، بس كل ما أفكر إنه من ساعت ما فتح عينه ع الدنيا وهو شايفك قدامه على طبيعتك وفي كل لحظات حياتك بأحسده ، مش بأقدر أمنع نفسي.
نظرت له بحب: ربنا يخليك ليا وما يحرمنيش منك أبداً ، أنت كل يوم معزتك بتزيد ف قلبي وما أقدرش أتخيل حياتي من غيرك
مروان بصدمة وقد شعر أنه أصبح يملك أجنحة يستطيع أن يحلق بها في سماء الحب بكل خفة: يا بركة دعاكي يا أما ، صبرت ونولت يا ابن نوال
ضحكت هدى ، نظر لها نظرة لم تفهمها وقال: هدى ، أنا كان نفسي أعمل حاجه من يوم كتب كتابنا بس الظروف وقتها ما سمحتش
نظرت له بترقب متسائلة ، اقترب منها هامساً في أذنها: توعديني إنك ما ترفضيش ؟
أبعدت رأسها قليلاً بقلق: وإيه الطلب دا اللي ممكن أرفضه؟
نظر إليها بجدية: تصلي ورايا وأكون أنا إمامك
تنهدت براحه فقال ضاحكاً: دا إنتي دماغك طلعت قليلة الأدب
هدى بحزن مصطنع: بقى كدا ؟
أسرع مروان: أوعي تزعلي أنا بأهزر ، دا اللي زعلك يبقى حمار
هدى بحب: أوعى تقول على جوزي كدا
مروان ببلاهة: على مين ؟
رددت هدى بخجل : جوزي
قال فجأة: أنا بأقول تقومي تجيبي سجادة الصلاة بسرعة أحسن اتهور
هدى متسائلة: أنت صليت مع بابا العشا في المسجد ، هنصلي إيه دلوقتي ؟
مروان باسماً: ركعتين شكر لله ، إنه جمعني بيكي وبقيتي مراتي وقريب هتبقي في بيتي
أومأت بسعادة ونهضت لتحضر سجادة الصلاة لتصلي لأول مرة خلف زوجها الحبيب وقد أخذت منها السعادة مأخذها ، فأخيراً قد رزقها فارس أحلامها الذي سيعينها على أمور دينها قبل دنياها ، الذي لن يكتفي بصحبتها في الدنيا فقط بل يسعى لصحبتها في الأخرة وهو يرفض الحور العين من أجلها وحدها.
-----------
وصلت إلى المطعم حيث أخبرها والدها بأن تنتظرهم به وما زالت لم تفهم سبب إصراره على إصطحاب الأولاد معه.
وجدت المكان مظلم إلا من مصباح بضوء خافت نسبياً ، اقتربت لتستطلع الأوضاع وقد عزمت على الرحيل.
كان باب المطعم مفتوحاً دفعته ودلفت إليه بهدوء ، صدمها رؤية الأرض مغطاه بالورود الحمراء كالتي كانت ترسل إليها ، ورائحة المكان قمة في السحر كما أن الشموع المضاءة أضفت على المكان رومانسية لا مثيل لها.
شعرت بنفس خلفها يهمس: وحشتيني
علمت صاحب الصوت قبل أن تلتفت إليه ، أضاف مبتسماً بحزن: أحلوتي أوووي في الفترة اللي فاتت دي
سألته بسخرية: ودا يضايقك في حاجه ؟
تحولت إبتسامته إلى إبتسامة حب: اللي مضايقني إنك كنتي بعيدة عني ، لكن إنتي طول عمرك حلوة ف نظري
قالت بنفس النبرة: عشان كدا إتجوزت عليا وضربتني
تنهد علي: صدقيني دي غلطة وهأعيش طول عمري أندم عليها ، بس أنا نفسي إنك تسامحيني
- أنهي واحدة فيهم ؟
- الإتنين
سألته بترقب: طلقت نادية ليه ؟
أجابها: هي شافت لهفتي عليكي لما لاقيت الجواب من والدك ولما روحتلك البيت بعدها فوراً وقررت إنها تبعد عني عشان دخولها حياتي من الأول كان غلط واتطلقنا وما انكرش إني ارتحت إنها جت منها لإني ما كنتش حابب أظلمها زي ما ظلمتك
سألته مقطبة الجبين: أنت جيت البيت عند بابا ؟ إمتى ؟
- بعد ما شوفت الورقة اللي كتبها باباكي ، بس إنتي ما كنتيش ف البيت
- أه ، خليتهم يسبقوني ع البيت بس ما حدش جاب سيرة يعني
ثم أضافت ساخرة: أو أنت اللي ما صدقت
- كلام بابكي كان صح ، حسيت إنه عنده حق ف كل كلمة قالها وخصوصاً لما قالي إني ما استاهلكيش
- بابا قالك كدا ؟
- أيوه ، فقررت أبعد عنك بس ما قدرتش ، وبقيت أبعتلك الورد والكروت دي
- وكنت هتفضل كدا لحد إمتى ؟
- بصراحة وقتها ما كنتش عارف ، بس بعدين فكرت قولت إني كدا بأضيع وقت ممكن أكون فيه معاكي ودا اللي نبهتني ليه ميرنا
- ميرنا ؟؟ هي كلمتك ؟؟؟
- أه ، جاتلي المكتب وقالتلي لازم أخد خطوة لإنه اللي باعمله دا تصرفات مراهقين وإحنا عندنا 3 عيال دلوقتي
- ههههههههه ميرنا دي مصيبة
- تعرفي ... كنت متخيل إنها هتبقى فرحانة إننا سيبنا بعض ولما جاتلي افتكرتها هتقولي طلقها مش رجعها
- أنت على طول فاهم صحابي غلط ، أنا من أول ما عرفت بجوازك روحتلهم وكنت مقررة أطلق وأخد العيال وأبعد عنك ، بس هما اللي هدوني وساعدوني اغير من نفسي ، كانوا واقفين في صفي وفي نفس الوقت ضدي ، واجهوني إنه زي ما أنت غلطت أنا كمان غلطانة ، دول مرايتي اللي بتوريني حقيقتي والحاجه اللي مش شايفاها ف نفسي
- ياااااه ، صدقيني أنا ما كنتش فاهم كدا ، ووعد من دلوقتي عمري ما هأبعدك عنهم
- أصلاً أنت ما تقدرش
- هههههههههه ماشي يا ستي ، بس بعد كدا لما أغلب معاكي هأروحلهم عشان يشوفولهم حل معاكي
- مش لما أوافق نرجع الأول ؟
- خلاص بقى يا رنوش ، والله العظيم بأحبك وما أقدرش أعيش من غيرك ، أنا كنت حاسس إني بأموت بالبطئ وإنتي بعيدة عني
- هتواجهني باللي هيضايقك مني ؟ مش هتخبي عليا ؟ ، عمرك ما تفكر ف غيري ولا تتجوز عليا ؟ ، هتقدر تعبي وحبي ليك ؟
- أوعدك بكل دا صدقيني ، غلطة ومش هتتكرر
- وضربك ليا ؟
- لو عملتها تاني أنا هأرضى بأي حكم ليكي ... ماشي؟
- ماشي
- يعني خلاص ؟ ، صافيه لبن ؟
- بس بشرط
- إيه هو ؟
أضافت بخبث: هتغير لمنة البامبرز شهر بحاله
أخفى وجهه بين كفيه صارخاً: لالالالالالا
رنا بتكبر: هو دا اللي عندي
تنهد بإستسلام: طيب ، أمري لله
سألته: وبابا عارف بكل الهلومه دي ؟
ضحك علي: أنا كلمته الأول وراضيته وبعد كدا استغليته عشان أجيبك هنا
رنا: أنا بردو حسيت الحكاية فيها إن
علي بحب: طب سيبك من إن وكان وتعالي نتعشا سوا بقى
سألته بإهتمام: والأولاد ؟
سحب علي كرسياً لتجلس فوقه واتخذ مكانه مقابلها: هيباتوا عند جدهم إنهارده ومن بكره هنروح نجيبهم ، هيفرحوا برجوعنا لبعض أوي ، دول ما بقوش طايقني ولا كلموني غير لما وعدتهم نرجع كلنا سوا من تاني
رنا: وإحنا هنروح فين الليلة دي ؟
نظرت لها بشغف ماكر: اللي إنتي ما تعرفيهوش إنه فوق المطعم دا فيه فندق وحجزت فيه أوضة وجهزتها من مجاميعه
رنا متفاجئة: بس أنا ما عملتش حسابي ومش معايا هدوم
ابتسم بخبث: ومين قالك إنك هتحتاجيها ؟
أردف عندما لاحظ أحمرار وجنتيها: على العموم باباكي جاب شنطة فيها اللي هيلزمك الليلة دي ... بيس؟
ابتسمت رنا بسعادة: بيس

قضوا فترة العشاء في الحديث عن كل شئ ما عدا افتراقهما وما حدث في الأونة الأخيرة من أمور أزعجتهم ، شعرت بأن علي الذي أحبته وتزوجته قد عاد من جديد وأن علي الذي تزوج عليها كان مجرد حيلة للتفريق بينهما وكان إختباراً من الله ليزداد الحب في قلبيهما ويقربهما من بعض أكثر فأكثر.

0 التعليقات:

إرسال تعليق