إنها ليلة الجمعة ، ليس لديها عمل لهذا اليوم
فبالتالي لم تتلقى باقتها اليومية ، شعرت بأن هناك ما ينقصها ، أخرجت البطاقات
التي استلمتها من أحد الأدراج ، لقد احتفظت بهم لسبب لا تعلمه ، إن كل واحدة بها
أعذب الكلمات لتدل على أرق المشاعر.
" أما بعد
فلن أحب أحداً بعدك !
فلن أحب أحداً بعدك !
أما قبل ...
فأنا أساساً لم أعرف الحب إلا بكِ ! "
وغيرها وغيرها من الكلام الرومانسي الذي لا يمس
فقط جدران القلب بل يخترقه إختراقاً ، استغرقت في النوم وهي ما تزال تتطلع على
البطاقات وابتسامة سعيدة على شفتيها.
------------------
حضر الجميع كتب كتاب هدى ، لقد استخارت ربها وشعرت
بعدها بالراحة لتلك الخطوة ، دعت كل صديقاتها وكانت تجلس معهن في المنزل بينما
الكتاب يكتب في المسجد المجاور.
عبر مكبرات الصوت كان يصل إليهن صوت المأذون وفوزي
بالإضافة للصوت الذي جعل دقات قلبها تزداد ... صوت مروان.
أمسكت نوران شقيقة مروان بيدها فقد شعرت بتوترها
وقلقها ، أحبت إحداهما الأخرى منذ تعرفت عليها وصاروا بمثابة الأخوة ، فنوران فتاة
مرحة ذات جمال لا يستهان به تملك عيني أخيها ولكن حجابها أخفى فتنة شعرها الحريري.
ارتفعت الزغاريط في المنزل بعد إعلان المأذون تمام
العقد وما تلاه من أدعية للعروسين بالسعادة ودوام التوفيق.
كانت الفتيات برفقتها في الغرفة الخاصة بها
يمازحنها حتى لا تتوتر بينما تركتها نوران لتتأكد من راحة الأقارب والضيفات
بالخارج.
غمزتها ماري: أيوه يا عم مين قدك
ديما بسعادة: والله صبرتي ونولتي يا هودهود
ميرنا بمكر: ومش أي حاجه ، دا الواد قمر قمر قمر
مريم ضاحكة: ما هي دودو طول عمرها بتقع واقفة
هتفت هدى بحنق: ما تبس إنتي وهي
نظرت إلى ميرنا قائلة بتوعد: ما الدور عليكي يا
حلوة ، مش هأرحمك وقتها
رنا: صحيح أنتوا قررتوا إمتى يا ميمي ؟
ميرنا بخجل: هما أسبوعين وهنكتب الكتاب
ماري: طب والفرح ؟
ميرنا: بعد كتب الكتاب بأسبوعين تقريباً
مريم: ربنا يتمملك بخير
هدى بضيق مصطنع: على فكرة أنا العروسة دلوقتي مش
هي ، يعني الدعوات دي المفروض تخصني لوحدي إنهارده
ديما: ههههههه وهو إحنا لينا غيرك يا قمر
هدى ضاحكة: أيوه كدا ، ناس ما بتجيش غير بالعين
الحمرا
مريم: ههههههههه المهم تبقي فرش كدا مع العريس
ميرنا بخبث: شكلك هتبقي زي البطة البلدي مع العريس
المنتظر
أخفضت هدى رأسها تفكر في مشاعرها المتضاربة فبرغم
مجيئه الشبه يومي لم تعتد عليه بالشكل الكافي ولكنها كانت تشعر بالنشوة تملؤها
عندما تخبرها والدتها بموعد قدومه.
ماري: أنا هأروح أشوف إيهاب ليكون ولادك عدوه
بشقاوتهم يا رنا
رنا بفخر: يا ريته يبقى زيهم هو يطول
ماري: لا لا دا كله إلا بيبو ، شكله هيطلع فِرع زي
أبوه
ميرنا ضاحكة: دا كدا هيبقى نخلة
استأذن مروان من حماه فوزي بالصعود إلى زوجته ،
أخبر فوزي زوجته بطلبه لتستعد هدى لملاقاته.
جلس ينتظرها في غرفة جانبية بعيدة نسبياً عن
الضوضاء بالخارج حيث وضعت لهما سعاد وليمة ضخمة ليتقاسماها سوياً.
دلفت هدى إلى الحجرة ونظرها لا يعلو مسافة أعلى من
الأرضية ، رأها مروان ووقف مذهولاً فقد كانت كالبدر ليلة تمامه.
كانت ترتدي ثوباً من اللون الذهبي به تطريزات رقيقة
من اللون البني ، بدون أكمام وقد أطلقت لخصلات شعرها العنان فكان شديد النعومة
بإنعكاساته البنية البراقة ، لم يخلو وجهها من لمسات المكياج ولكنها أبرزت ملامحها
وجمالها الرباني ببساطتها.
اقترب منها هامساً: تصدقي إنه دا نعمة من ربنا إني
ما شوفتكيش قبل إنهارده
رفعت نظرها إليه متعجبة فتابع بهيام: أصل أنا عارف
نفسي كويس لو شوفت الجمال دا كله مش هأقدر أحوش نفسي وما أقولش اللي جوايا وقتها
بقى كان هيبقى ذنب لكن دلوقتي دا حقي الشرعي
ابتسمت بخجل: وإيه بقى الكلام دا ؟
سحبها من يديها وأجلسها بجواره: إنك قمر وأحلى منك
عمري ما شوفت
إزداد خجلها: على فكرة أنت بتبالغ
أجابها بصدق: صدقيني دي الحقيقة ، إنتي دلوقتي
مراتي وأنا من اللحظة دي عمري ما هأكدب ولا أخبي عليكي حاجه ... إتفقنا ؟
أومأت بصمت وهي في حالة سعادة شديدة.
سألها بجدية مفاجأة: إنتي حاسه إننا اتسرعنا ف
خطوة كتب الكتاب دي يا هدى ؟
نظرت له بتعجب فبالأضافة لإدراكه شكوكها فأيضاً
هذه المرة الأولى التي يلفظ فيها اسمها: بصراحة أنا حسيت إنه الأمور كلها حصلت
بسرعة أوي ، أنا ما لحقتش أعرفك ولا أنت لحقت تعرفني بس لما صليت استخارة كنت
مرتاحة للقرار دا
قالت جملتها الأخيرة وهي تنظر أرضاً في خجل ، رفع
ذقنها بأصبعيه وقال بحنان: وأنا أهم حاجه عندي راحتك ، وصدقيني كدا أحسن ، في ناس
كتير بتمثل ف فترة الخطوبة وبعد الجواز بينصدموا ف بعض ، فأنا قولت بلاها صدمات
وناخدها من قصيره أحسن
ثم أضاف بمكر: وبعدين كدا أعرف اتعرف عليكي بمزاج
، مش كمال أخوكي يبقى لازقلنا ويفضل يتكلم معايا لحد ما أمشي وما أعرفش أكلمك
كلمتين على بعض
هدى مبتسمة: على فكرة كمال بيحبك أوووي
نظر في عينيها قائلاً بحب: وأنا بأحب أخته أوووي
أحمرت وجنتيها بشدة وارتسمت ابتسامة سعيدة على
شفتيها ولكنها سألته بشك: هو أنت لحقت ؟
مروان مبتسماً في هدوء: الحب مش محتاج وقت عشان
تحسي بيه بس محتاج وقت وجهد كبير عشان نرويه ونكبره ونخليه يدوم سنين وسنين ، أغلب
قصص الحب بتفشل لإنهم بيهتموا بإنهم يحبوا لكن بمجرد ما بيحصل الحب دا بيركنوه
كأنه كدا خلاص مهمته أنتهت وهو بالعكس دا لسه دوره بيبدأ ، ما هو الحب زي الورد ما
ينفعش تزرعي بذرته وتستنيه يكبر ويديكي ورد مفتح من غير ما تكوني بتراعيه وتسقيه
كل يوم ، مش بس بتسقيه مايه لا بتسقيه ثقة وتفاهم ... مودة ورحمة
قالت هدى بعفوية: أنت كل كلمك بأبقى قدامه متنحة
بأحسك بتعبر عن اللي جوايا من مشاعر في كلمات بسيطة وسهلة.
نظر لها بخبث مبتسماً: دا بردو اسمه حب يا هدى
سألته بغتة: أنت أول مرة تنطق اسمي إنهارده ،
إشمعنه ؟
ابتسم مجيباً: لا دي مش أول مرة ، أنا كنت بأقوله
ف أحلامي واكتبه ف أوراقي واسرح بيه ف خيالي ، بس كنت واخد عهد على نفسي إني أول
مرة هأكلمك باسمك هتكوني فيها مراتي وحلالي !!
أخرجت من خلف ظهرها المفكرة التي وعدت أن تقدمها
لزوجها بعد كتب كتابها عليه مدتها يده مجيبة عن تساؤله الصمت: أقراها
قرأها ثم وضعها على المقعد المجاور له ونظر إلى
أعماق عينيها وقد امتلئت عيونه بالدمع: وعد أحافظ عليكي وأعيش الزوج اللي اتمنتيه
طول حياتك ، بحبك يا هدى
أشارت هدى إلى الطعام بخجل: مش هتاكل ولا إيه ؟
قال بجدية: بس بشرط
رفعت حاجبيها متسائلة: شرط إيه ؟
أمسكت يديها وقبلهما قائلاً بحب: تأكليني بإيديكي
الحلوين دول أومأت وبدأت تطعمه بيديها ، فعل هو أيضاً مثلها فكانت أجمل وجبة يتناولها
كلاهما في حياته.
---------------
وقفت ميرنا تودع يحيي بعد إنتهاء كتب كتاب
صديقتها.
يحيي بأسف: كان نفسي أنا اللي أوصلك بس إنتي عارفة
ما ينفعش وإنتي لسه مش مراتي
ابتسمت بحب: ما تقلقش رنا هتروحني ، وبعدين بإذن
الله ف فرح هدى نكون اتجوزنا
يحيي باسماً: إن شاء الله
نادتها رنا من السيارة: يلا يا ميرنا الولاد ناموا
، عايزة أروح
نظرت لها ميرنا بغيظ: طيب طيب جايه أهو
ثم إلتفتت إلى يحيي: باسل روح مع ديما ، وكريم مع
مريم ، وماري مع شريف ، وهدى زمانها قاعدة مع عريسها وإحنا رنا مش سامحلنا بكلمتين
ضحك يحيي على لهجتها وتصرفاتها الطفولية: كلها أسبوعين
وتبقي مراتي وتبقي زيك زيهم إن ما كانش أحسن
ميرنا متنهدة بفرحة: يا رب ، يلا أنا هأمشي بقى
لأحسن رنا هتبلعني ... سلام
استوقفها يحيي: لا استني ، عايز أديكي حاجه
أخرج شيئاً من سيارته وقدمه إليها ، إنه ... كتاب
؟!
نظرت له مستغربة فوضح لها: دا كتاب اسمه " نساء حول الرسول
" –عليه الصلاة والسلام- ، عايزك تقريه كويس وتستفيدي بكل كلمة فيه ولما
أجيلك بعد يومين نتناقش فيه إيه رأيك ؟
زاد دهشتها: هو أنت قريته ؟
يحيي باسماً: لا ، بس هابدأ فيه انهارده ، دي نسخة
أنا اشتريتها عشانك وأنا هأخد النسخة اللي عند بابا عبد الحميد.
ضيقت عينيها وقالت بتأني: وإشمعنه نساء يعني ؟
ضحك على غيرتها: والله هبلة ، يا ستي ما تقلقيش
بعد ما نخلصه هنقرأ رجال حول الرسول كمان وكل فترة نختار كتاب نقراه
ونتناقش فيه ، ماشي يا ستي ؟
أومأت باسمة وقد عقدت العزم على البدء فيه هذه
الليلة: ماشي يا سيدي
يحيي: يلا بقى روحي لرنا عشان شكلها هتولع فينا
ميرنا ضاحكة: ماشي ، لا إله إلا الله
يحيي مبتسماً بهدوء: محمد رسول الله
صعدت بجوار صديقتها وقالت بحنق: هو إكمن عربيتي
عطلانه وجنابك جبتي عربية يبقى تذلينا بقى ؟؟
انطلقت رنا مشيرة للخلف وهي تنظر في مرآة السيارة:
الولاد ناموا فوق بعض ، ومنة مع ماما ف البيت وأكيد جننتها
تنهدت ميرنا وقد هدأت: ماشي
بعد فترة من الصمت نظرت ميرنا إليها: إيه أخر
أخبار العاشق المجهول اللي بيبعتلك رسايل حب وغرام ؟
رددت رنا أخر رسائله وقد حفظتها عن ظهر قلب:
" لو عايزاني أكون بخير ... إرجعيلي "
ميرنا بدهشة: يعني إنتي تعرفيه ؟
أومأت رنا بصمت فسألتها ميرنا مستفهمة: مين ؟
أجابتها بإقتضاب: علي
صرخت ميرنا: علي ؟؟! ، وإنتي عرفتي منين ؟
هزت كتفيها: إحساس ، مش أكيد
ميرنا بهدوء: هترجعيله ؟
رنا ساخرة: هو ما جاش لحد عندي وطلب
ميرنا بإصرار: ولو طلب ، هترجعي ؟
تنهدت رنا بقوة: مش عارفة
قادت باقي الطريق صامتة تفكر في سؤال ميرنا وتحاول
إيجاد الإجابة بينما ميرنا قد صممت في قرارة نفسها على مساعدة صديقتها مهما كلف
الأمر.
---------------
فتحت الباب فجأة دون سابق إنذار لم تهتم لقول
السكرتيرة: الأستاذ علي عنده إجتماع يا فندم مش هيقدر يقابل سعاتك
نظر علي بغضب لذلك الذي تهجم على مكتبه وقطع
إجتماعه ، رأى ميرنا فتحول غضبه إلى دهشة.
خاطبته بحدة: ممكن نتكلم لوحدنا شوية ؟؟
صرف الجميع على وعد بتكرار هذا الإجتماع في أقرب
فرصة ، جلس على مقعده خلف المكتب بينما جلست هي أمامه.
بادرها بقلق: في إيه ؟ ، رنا كويسة ؟ ، والولاد
بخير ؟
ميرنا: أيوه كلهم كويسين
تمتم ببعض الحنق: أومال إيه الداخلة اللي دخلتيها
عليا دي ؟
ميرنا ساخرة: أصلي افتكرت السكرتيرة بتكدب عليا
سألها مستغرباً: وتكدب عليكي ليه ؟
أجابته بسخرية: يمكن مش عايز تشوف حد من طرف رنا
ولا حاجه
اعتدل في جلسته وسألها مترقباً: ليه ... هي رنا
اللي بعتتك ؟
ابتسمت بسخرية: دي لو عرفت إني جايه كانت حبستني
ولو عرفت الموضوع كانت اتبرت مني
زاد تعجبه: وإيه بقى الموضوع دا ؟
ميرنا بجدية: أنت هتفضل محلك سر كدا ؟ ، أخرك
بوكيه ورد وكلمتين على ورق
أجابها بتوتر: وإنتي عرفتي منين إنه أنا اللي
بابعت الورد دا ؟
أجابته: رنا اللي عرفت مش أنا
علي بشرود: يعني هي عارفة إنه أنا
ميرنا بملل: سيبك بقى من حركات المراهقين دي ، أنتوا
متجوزين وعندكوا 3 عيال
تنهد بعمق: وعايزاني أعمل إيه ؟
ميرنا بعصبية: تروح تكلمها تصالحها تراضيها
تشرحلها موقفك أي حاجه ، أصلاً أي حاجه هتعملها هتبقى أحسن من الورد والكلام اللي
من بعيد لبعيد دا
نظر لها بحيرة: دا رأيك ؟
نهضت مغادرة: والله دا اللي عندي وأنت حر أنا عملت
اللي عليا ، سلام.
غادرت وتركته يفكر في طريقة مباشرة ليصلح أموره مع
رنا ، فبعد أن قرر الخروج من حياتها لم يستطع تخيل حياته ومنزله بدونها حتى أن
نادية لم تطقه كما كان شعوره تماماً فانفصلا بالتراضي.
حاول العودة إلى رنا ولكن بأي وجه ؟ ، فقرر إرسال
تلك الباقات ليلين قلبها تجاهه بعض الشئ ولكن إلى متى ؟
0 التعليقات:
إرسال تعليق