(46)


رأها كلوحة تستحق أن يبقيها بعيدة عن أي أحد سواه ، كانت متألقة بثوبها الزهري الرقيق الذي تتطاير أطرافه مع كل نسمة هواء وشعرها البني يعكس ضوء الشمس بطريقة ساحرة ، إلتقط لها صورة مسرعاً قبل أن تمر هذه اللحظة البديعة.
سمعت صوت التصوير فإلتفتت إليه متعجبة: بتعمل إيه؟
اقترب منها قائلاً بإبتسامة: أصلك كنتي حلوة أوووي فقولت لازم أصورك
مريم: طب إفرض حد شافها
كريم: ماحدش بيمسك موبايلي غيري وغيرك.
ابتسمت معبرة عن سعادتها فهكذا أشياء صغيرة تشاركه فيها وحدها  تثبت لها أنه أصبح زوجها العزيز.
كريم بوله: عارفة ، نفسي أخدك وأخبيكي ف حته بعيدة أوووي عن عيون الناس.
داعبته مريم: هههههه إيه رأيك تخبيني ورا الشمس؟
فكر بجدية أدهشتها: لا مش هينفع
مريم متعجبة: وليه بقى ؟ مش قد المقام؟
كريم مداعباً شعرها بحنان: عشان لو خبيتك ورا الشمس نورك هيغطي عليها وبردو العيون هتشوفك
صمت برهة قبل أن يضيف: أنا أحسن حل أخبيكي في حضني عشان اللي يجي على باله يبصلك أدبحه.
مريم مازحة: دا أنت بقيت دموي أوووي ، شكلك بتحب الدم
كريم مغازلاً: كفاية إنه لون دمك عشان أحبه.
أحمرت وجنتيها بشدة ، لجم الخجل لسانها.
داعب وجنتيها قائلاً ليخرجها من حالة الخجل التي دخلت بها ولم تستطع الخروج منها: إحنا مش هناكل ولا إيه ؟
مريم بمرح طفولي: أنا نفسي ف جمبري.
كريم ضاحكاً: جمبري مرة واحدة ؟ ، وأنا مش هأحرمك من حاجه ، ادخلي إلبسي بقى قبل ما ننزل.
همت بالدخول ولكن أمسكها من ذراعها وقال بجدية: بعد كدا ما تطلعيش البلكونه من غير الحجاب ، هو أي نعم الشاطئ خاص وإحنا دور أرضي وحوالينا سور طوله 7 متر بس بردو ، يلمحك عصفور كدا نسر كدا ما أضمنش.
أومأت موافقة وهي تضحك من غيرته الشديدة.
---------------
وقفت في قاعة المطار بانتظار مندوب الشركة الألمانية ترافقها ميرنا التي قالت ضجرة: هما اتأخروا كدا ليه ؟
ألقت نظرة على الساعة بيدها ثم قالت بلا انتباه: لسه تلت ساعة على معاد الطيارة
ميرنا بحنق: وأما هو لسه كنتي بتسربعيني ليه ؟؟ مش كان زمانا جينا ع الوقت بدل التذنيبة السودا اللي إحنا فيها دي !!
رنا ببرود: المفروض إن دول ضيوف ولازم إحنا اللي نكون في استقبالهم مش نيجي نلاقيهم مستنينا !
ميرنا: ماشي أنا معاكي بس إنتي استعجلتيني أوي !
رنا بملل: خلاص يا ميرنا إحنا وصلنا وانتهى الموضوع.
ميرنا بضيق: ماشي ..... وبعدين إنتي رايحه عزا بعد كدا ولا إيه ؟
رنا بحيرة: لا ، ليه ؟
ميرنا بحنق: إنتي ناوية على جناني صح ؟؟؟ ، إيه يا بنتي التايير اللي اسود في اسود دا ؟؟!
نظرت إلى ملابسها بلا مبالاة: ماله؟
ميرنا مستنكرة: ماله ؟؟ ، أبداً دا حتى بيدي الواحد أمل ف الحياة.
رنا بهدوء: التايير اسود أه بس أنا لابسه توب لبني أهو وطرحه لبني كمان
ميرنا ساخرة: لا والله فيكي الخير.
رنا بضيق: أومال عايزاني أجي ببدلة رقص مثلاً ؟؟
ميرنا: لا بس في كذا لون غير البلاك دا
ضغطت رنا على أسنانها بقوة: هو أنا رايحه أتجوز ؟؟؟ ، ميرنا أبوس إيديك سيبيني ف حالي بدل ما أطلعه عليكي
ميرنا: خلاص خلاص ، إنتي هتاكليني ولا إيه ؟؟
وما هي إلا دقائق حتى أُعلن عن وصول الطائرة القادمة من ألمانيا إلى الأراضي المصرية.
أنتظرت رنا حالمة لوحة مكتوب فوقها اسم الشركة التي تعمل بها باللغتين العربية والإنجليزية.
تقدم منها رجل في الثلاثين من العمر شديد الوسامة ، شعره ينافس الظلام في سواده وعينيه رمادية بنفس لون القميص الذي يرتديه ، ترافقه إمرأة شقراء عينيها زرقاء كحجر الفيروز تتأبط ذراعه والإبتسامة على شفتيها يلحقهما رجلان مفتولي العضلات استشفت رنا أنهما الحراسة المرسلة برفقتهم.
تساءل الرجل باللغة الإنجليزية: هل أنت الأنسة رنا التي أرسلتها الشركة لمرافقتنا ؟
أومأت رنا باسمة بالإنجليزية: عذراً ، مدام ، نعم أنا هنا لخدمتكما.
تابعت مشيرة إلى ميرنا وقالت بالإنجليزية: هذه أيضاً زميلتي ميرنا وستقوم بمرافقتنا لهذا اليوم
أومأ بهدوء قبل أن يأمرها بالإنجليزية: حسناً ، هيا بنا إذا إلى شركتكم لنبدأ العمل
تعجبت ميرنا قائلة بصوت عالي لرنا واثقة في عدم قهم أحد للعربية غيرها: هو ماله داخل علينا حامي كدا ليه ؟؟
ابتسمت الفتاة الشقراء قائلة بالإنجليزية: عذراً لقد نسي جاك أن يعرفكما عليّ.
مدت يدها مضيفة بإبتسامة جذابة: أنا ليزا ، زوجته.
صافحتها رنا تبعتها ميرنا ، بعد التعارف عادت ليزا لإكمال حديثها ولكنه موجه هذه المرة إلى جاك فقالت بدلال: أرجوك جاك ، لا تعمل اليوم ودعنا نمضي هذا اليوم في مشاهدة البلاد فهي تبدو جميلة جداً
رفض جاك بحزم: لا ليزا ، يتوجب عليّ إنهاء أعمالي أولاً ، لا تنسي أننا اتفقنا على هذا قبلاً
ليزا: ولكن جاك ...
قاطعها قائلاً بإصرار: لا تجعليني أندم ليزا على اصطحابي لكِ
أومأت ليزا بحزن مخفضة رأسها: كما تشاء جاك
رفع رأسها بطرف اصبعه قائلاً بإبتسامة حنونة: أنهي عملي أولاً ثم نمضي باقي الأيام سوياً دون أن يشغلني عنكِ شئ ، اتفقنا ؟
تعلقت بذراعه سعيدة وقد عادت الإبتسامة الواسعة تحتل شفتيها وقالت بحماس طفولي: موافقة  ، ولكن ستنهيه سريعاً , أليس كذلك ؟
سألت سؤالها الأخير وهي تنظر إلى رنا فأجابتها بلباقة: سأعمل على ذلك مدام ليزا
جاك وقد عاد لجديته فقال بإقتضاب: هيا إذا إلى الشركة.
توجه الجميع إلى خارج صالة المطار ، لتركب رنا بجوارها ميرنا تقود وفي الخلف جلست ليزا متعلقة بذراع زوجها تنظر عبر النافذة إلى كل ما حولها بإنبهار ، بداية من المارة وصولاً إلى المحلات بينما لحق بهم الحارس في سيارة خاصة استأجرتها الشركة الألمانية.
رأت رنا الإنبهار في أعين ليزا فحدثتها بلباقة: هل هي المرة الأولى لكِ هنا في مصر ؟
أجابتها ليزا بنفس إبتسامتها: أجل ، لقد تمنيت كثيراً زيارتها ولكن لم تتح لي فرصة إلا الآن.
رنا بإبتسامة مجاملة: أتمنى لكِ وقتاً سعيداً بها
ليزا بثقة: سيكون كذلك.
-------------
وضعت أخر صحن فوق مائدة الطعام قائلة بصوت مرتفع: يلا يا بابا عشان تتغدا
لحظات وكان مراد يقترب من المائدة وهو يطلق صفيراً عالياً: أوبااااااا دا أنا كدا شكلي هأزيد الضعف
- هههههههههه بالهنا والشفا
جلس متابعاً: بس بجد ليه الأكل دا كله ؟؟ ، مين هياكل كل دا ؟
- أنا طبعاً ، دا أنا حتى واقع م الجوع
قالها باسل وهو يسحب المقعد ليجلس بجوار والده وفي نفس الوقت مقابل ديما.
مراد متعجباً: أنت رجعت إمتى من العين السخنة ؟؟
أجابه وقد بدأ في إلتهام الطعام: لسه حالاً
مراد ضاحكاً: طب كُل على مهلك الأكل مش هيطير
باسل وفمه ممتلئ بالطعام: أصلي جعان أوي والأكل حلو أوي أوي
قهقهت ديما رغماً عنها: بالهنا والشفا
نظر لها بحب هامساً: الله يهنيكي
أحمرت ديما من نظراته التي أسعدت قلب مراد متمنياً عودة المياه إلى مجراها بينهما.
مراد: ناوي تقعد قد إيه المرة دي ؟
باسل: هأرجع العين السخنة بكره بالليل
مراد: بسرعة كدا ؟
باسل: أنا جيت بس عشان كام حاجه مهمة لازم يخلصوا هأحاول أخلصهم بسرعة عشان أرجع هناك تاني
مراد بدهشة: وليه الإستعجال دا ؟ ، ما تقعد تخلص اللي وراك على مهلك
باسل: معلش يا بابا ، بس ما أقدرش أسيب بوسي لوحدها كتير
ابتلعت ديما طعامها بصعوبة وظلت تنظر إلى صحنها دون أن تكمل تناول غداءها صامتة.
انسحب الأب إلى غرفته ليتناول دواءه تاركاً المجال لهما لكي يتحدثا.
خاطبها باسل بعد مغادرة والده: أنا مضطر أكون معاها أكبر وقت عشان أعرف بتعمل إيه وبتخطط لإيه ، مش بعيد يحاول نعيم يتواصل معاها تاني وقتها بقى نقدر نمسكه ونرتاح من همه
هزت ديما رأسها دون أن ترفع وجهها إليه: أنت حر ، دي في الأول والأخر تبقى مراتك
أضافت ناهضة: الحمدلله
لحق بها على الدرج وأمسك ذراعها قائلاً بعزم: أنا من ساعة ما عرفت اللي هي بتخططله وأنا مش معتبرها مراتي ، وأول ما الحكاية دي تخلص أنا هاطلقها فوراً
سحبت ذراعها من يده قائلة بثبات: دي حياتك وأنت حر فيها ، دا شئ ما يخصنيش ، إن شا الله تتجوز غيرها حتى براحتك
صرخ بعصبية: هو إيه اللي أنت حر أنت حر دي ؟؟ ما عندكيش حاجه تانية تقوليها غيرها ؟؟؟
نظرت له نظرة ذات مغزى: مش دا اللي كنت عايزه ؟؟ إنك تبقى حر ! ، دلوقتي بقت بتعصبك ؟
ضرب قبضته بالحائط ثم التفت مغادراً المنزل وهو في أشد حالات الغضب.
ظلت تنظر إلى باب المنزل لفترة ليست بقصيرة قبل أن تتنهد بقوة ، تابعت صعود الدرجات المتبقية بدون قوة أو رغبة في فعل شئ.


0 التعليقات:

إرسال تعليق