(39)

 يجلس في الحجرة المخصصة له في ذلك المنزل المتواضع والضيق يعلو وجهه ، لقد ملّ من قراءة ما لا يفهمه ، وكلما ذهب إلى عبدالحميد ليخبره يطلب منه أن يُعيد قراءته مجدداً ، نهض حانقاً واتجه إلى عبدالحميد ليسأله لأخر مرة بعصبية.- إيه لزمته إني اقرأه مرة والتانية والتالتة وأنا مش فاهم فيه كلمةبدأ عبدالحميد حديثه تاركاً الجريدة من يده تلحقها نظاراته الطبية: كان في ولد عايش مع جدو ، كان كل يوم يصحى يلاقي جدو بيقرأ قرأن فمن حبه لجدو وإنه عايز يبقى شبهه ف كل حاجه ويقلده ، قرر إنه هيقرأ زيه قرأن كل يوم ، فعلاً راح وأخد مصحف من اللي عند جدو وبدأ يقرأ فيه ، أول مرة ما فهمش حاجه تاني مرة بردو ما فهمش ، تعب واتعصب فراح لجدو وقاله وهو مضايق: أنا ليه لازم اقرأ من المصحف دا وأنا مش فاهم في حاجه وكمان بانساه ، يعني لا عارف أحفظه ولا عارف أفهمه
جدو مسك السبت وقاله خد هات مايه من النهر
الولد استغرب إنه جدو ما ردش على سؤاله وكمان طلبه جه ف وقت غريب ، بس سمع الكلام واخد السبت وراح يملاه ، وبعد ما ملاها من النهر وهو راجع المايه فضلت تنزل من السبت وعقبال ما وصل البيت كان السبت بقى فاضي ، راح رجع وقرر الحكاية دي تاني ونفس اللي حصل في المرة الأولى حصل في المرة التانية
فراح الولد لجدو وقاله اللي حصل لكن جدو أصر يملاه تاني ولما الولد قاله: بس يا جدو السبت دا مخرم يعني المايه بردو هتقع منه مالوش لازمه أفضل رايح جاي ع الفاضي ، هات جردل تاني وأنا هأجيب في المايهرد عليه جده: لا بالسبت دا ! ، بص خلاص أنا هأجي معاك وأشوف المايه فعلاً بتقع ولا لأراح الجد معاه وفعلاً حصل اللي الولد حكاه فقال لجده بانتصار: شوفت أهو حصل زي ما قولتلك يا جدو ، وكنت بتوديني أملاه ع الفاضيشاور الجد على السبت وقاله: طب بص كدا ع السبتبص الولد ع السبت واتصدم فكمل الجد كلامه: السبت دا كان مطرح الفحم وكان اسود بسببه ، لكن مرة ف مرة لما شيلت فيه المايه نضف ورجع زي الأول والسواد راح ، أنت فضلت تملى المايه من النهر وتيجي بيها وقولتلي مالوش لازمه وإنه تعب ع الفاضي وأنا أصريت إنك تملاه هو نفسه ، القرأن كدا بردو ، أنت ممكن ما تكونش شايف قرايته كدا ليها فايده وأنه تعب ع الفاضي بس القرأن مع الوقت هيعمل معاك زي مالمايه عملت مع السبت مرة ورا التانية نضفته من السواد اللي فيها ، القرأن هينضف قلبك من أي سواد جواه سواء حقد حسد كره ... ، أي حاجه ممكن تأثر عليك بالسلب
أنهى عبدالحميد قصته بقوله: فهمت حاجه ؟أومأ رامي صامتاً وعاد من حيث أتى ، سيقرأ هذه المرة ولكن بنية  أخرى قد تفتح له العديد من الأبواب والتي ظنها مغلقة.--------------قامت برفع شعرها على شكل زيل حصان ، مرتدية بيجاما زهرية اللون ، نادتها مريم: يا ديما إحنا خارجين
خرجت ديما مسرعة وهي ما تزال تربط شعرها:رايحين عند الدكتور؟مريم بملل: أيوه ، أنا بأفكر ما أروحش وكفاية إني أكون مع ماما عند الدكتور بتاعهارفعت الأم سبابتها بتحذير: دكتورك قبل دكتوري يا مريم ، الدكتور نبه إنه لازم تروحيله بعد أسبوع من خروجك من المستشفى والأسبوع فات أهو ، ما تتعبيش قلبي عليكي يا مريمقبلت مريم يد والدتها قائلة بحب: سلامة قلبك يا ست الكل ، خلاص دكتوري قبل دكتورك ، عُلم وسينفذ
ديما مازحة: دكتوري ودكتورك ؟ ، محسسني إنكوا بتقولوا عريسي وعريسكغمزت مريم بعينها قائلة: هههههههه عريس ، أه ماما شكلها هتسبقني
الأم ضاحكة: أفرح بيكي دا اللي أنا عايزاه
ديما: طب يلا روحوا عشان ما تتأخروش
الأم بقلق: مش تيجي معانا يا ديما أحسن من قعدتك في البيت لوحدك دي ؟ضمتها ديما بحب: ما تقلقيش عليا ، أنا زي القطط بسبع ترواح ، المهم تطمنيني عنك وعن مريم
مريم: خلاص يا ماما ، سيبيها براحتها ، أديكي شوفتي من بدري وأنا باتحايل عليها وهي اللي مش راضيةالأم: طيب ، على راحتكديما: عقبال ما تيجوا أكون جهزت أكلة من بتوعي تحلفوا بيها
مريم: جوعتيني يا شيخة حرام عليكي ، ديما يا ماما بتعمل أكل تحفة ، نفسها في الأكل حاجه فوق الفظيعالأم: تسلم إيدك
مريم مسرعة: يلا يلا معادنا كمان نص ساعة وأنتوا واقفين ترغوا
ديما ضاحكة: إحنا بردو ؟ ، ماشي ماشي
أغلقت ديما الباب خلفهم واتجهت إلى المطبخ لتبدأ مهمة إعداد الطعام ، فهي هوايتها المفضلة.بعد ما يقرب من الساعة سمعت طرقات على الباب ، إتجهت لفتحه مستغربة.- أنتوا لحقتوا تروحوا عند دكتورك ودكتورها وترجعوا ؟لكن هوية الطارق صدمتها وجعلت وجهها يشحب وتراجعت تاركة الباب مفتوحاً على مصرعيه.دخل الزائر وأغلق الباب خلفه مقترباً منها بتمهل.-------------وصلت مريم بصحبة والدتها إلى المستشفى لتعلو الدهشة وجوههم.اقترب منهم بعد أن لمحهم قائلاً بإبتسامة: عاملين إيه ؟سألته مريم مصدومة: أنت بتعمل إيه هنا ؟والدة مريم بفزع: لتكون أمك جرالها حاجه !كريم مهدئاً: لا لا ماما بخير وبتسلم عليكوا
والدة مريم براحه: الحمدلله ، خضتني عليها منك للهكررت مريم سؤالها: أومال أنت بتعمل إيه هنا ؟أخرج باقة من خلف ظهره تجمع ورداتها بين اللونين الأبيض والأحمر ، أشار لوردة حمراء وقال بحب: دي فيها قلبي اللي نفسي تقبليه
ثم أشار لوردة بيضاء: دي بقى لون قلبك ، عشان تسامحيني على إني ف يوم فكرت أتجوز غيرك
أخذ نفساً عميق ونظر لها بكل ما يملك من حب واشتياق قائلاً: تتجوزيني ؟أكثر ما صدمها فيما قاله أو فعله منذ رأته أمام المشفى هي كلمته الأخيرة تلك ، أعفتها والدتها من الرد وهي تقول بحنق: هو أنت مش خاطب يا ابني ؟أجاب كريم وهو مثبت عينيه على مريم: لا ما أنا ولبنى سيبنا بعض
أدارت مريم رأسها إلى الجهة الأخرى وقالت بتماسك: أنا عمري ما ابني سعادتي على تعاسة غيري يا كريم
كريم مسرعاً: ومين قالك إنها تعيسة؟ ، هي أصلاً اللي أخدت قرار الإنفصال دا ، أنا عمري ما كنت هأقدر اتحمل ذنب ظلمي ليها مهما كان حبي ليكي
مريم مترددة: يعني هي اللي طلبت ؟ ، ومش مضايقة؟كريم باسماً: أيوه هي اللي طلبت ، ولو مضايقة ماكانتش هتعمل كدا من الأول ، ولا إيه ؟أضاف متلهفاً: ها ؟ قولتي إيه؟ ، تتجوزيني؟
تبادلت النظرات مع والدتها التي ابتسمت مشجعة ، أومأت مريم ناظرة أرضاً بالموافقة.طار كريم من السعادة ولكن كلمات والدتها الحازمة أوقفته: بس مافيش جواز غير لما أخوها يخرج من السجن !نظر إليهما كريم بقلق لكن الأم طمأنته: ابني اتغير كتير يا كريم ، اللي هو فيه دا كسره ، وبعدين أنا مش بأقول تستنوا عشان موافقته ، لا ، بس ما يصحش جواز وأخوها في السجن دي الأصول ، وغير كدا هي لسه خارجة قريب من المستشفى وحالتها كانت خطر.أومأ كريم متفهماً: ماشي ، مش هأعمل خطوبة ولا حفلة بس ألبسها دبل على قدنا عشان أحس إنها بقت بتاعتيوافقت الأم بعد تردد: خلاص يا ابني اللي تشوفه
كريم: يبقى بكره أنا ووالدتي هنجيلكوا زيارةمريم بخجل: مش يلا بقى ، معاد الدكتور هيفوتنا كدا
بعد بضعة خطوات استدارت إليه مريم وسألته: أنت إيه اللي عرفك إننا هنيجي هنا ؟كريم باسماً بخبث: مش أنا كنت معاكي لما خرجتي من هنا وسمعت الدكتور بيقولك تعالي بعد أسبوع والممرضة حجزتلك كشف ؟مريم بتمهل: يعني أنت أخدت المعاد من الممرضة
أومأ: أيون
ضيقت مريم عينيها وسألته بتأني: وأخدته منها إزاي بقى يا سي كريم ؟شعر على الفور بغيرتها فتابع استفزازها: ليا طرقي الخاصةمريم بهمس: طرق إيه بقى إن شاء الله ؟كريم بغرور: هو القمر اللي قدامك دا مش مالي عينيك ولا إيه ؟مريم ساخرة: قمر ؟كريم: أيوه قمر ، تقدري تنكري؟
مريم مغيظة إياه: أمر بالستر قصدك
أسرعت في خطواتها تسبقه مما جعل الأم تستغرب سرعتها فأوقفتها: ما براحه يا بنتي ، هتجريني وراكي في المستشفى
تمهلت مريم قائلة بإعتذار: أسفة يا ماما
مال عليها كريم قليلاً وهو يهمس بصوت لا تسمعه والدتها: إنتي اللي قمر بالقشطة
نظرت إليه شذراً فعلم أنها ما تزال مغتاظة بسبب حوار الممرضة فطمأنها: أديتها قرشين عشان أعرف المعاد إرتاحتي ؟أولته ظهرها لكي لا يرى إبتسامتها الواسعة ولكنه شعر بها فاتسعت إبتسامته.نقلت الأم بصرها بينهما وهي تقلب كفيها من حالهما المتقلب.


0 التعليقات:

إرسال تعليق