تخلل شعره بأصابعه وهو يسير حافي القدمين مغادراً
حجرته ليجد عبدالحميد يرتدي نظاراته الطبيبة ويتلو الآيات من المصحف الشريف.
حضرت أم يحيي وهي تمد يدها بسبع تمرات إلى رامي
قائلة بإبتسامة: خد كُل دول ع الريق
أخذهم من يدها وبدأ في تناولهم حتى أنهاهم فطلب
المزيد لكن أم يحيي رفضت: لا كفاية كدا ، نفسك هتتسد ومش هتعرف تفطر
رامي متسائلاً: طب إشمعنه 7 مش 10 يعني ؟
- صدق الله العظيم
قالها عبدالحميد مغلقاً المصحف ، أردف: قال الرسول
-صلّ الله عليه وآله وسلم- ( من تصبح كل يوم سبع تمرات
عجوة لم يضره في ذلك اليوم سم ولا سحر )
رامي مستغرباً: هو أنتوا كل حياتكوا ماشية على حسب
الأحاديث دي؟ ، سواء عرفتوا السبب أو ما عرفتهوش؟
عبدالحميد: سؤالك دا هأجاوب عليه بردو بحديث قال
رسول الله -صلّ الله عليه وسلم- ( إني قد تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله
وسنتي ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض)
غير رامي موضوع الحديث: عايزك تبقى تقترح عليا
كتاب تاني أقرأه
عبدالحميد: ف مجال إيه ؟
رامي بعد تفكير: ف الدين الإسلامي ، بس يكون شامل
حاجات كتير ومتكلم عن أكتر من موضوع
أمسك عبدالحميد المصحف الذي تركه قبل قليل على
الطاولة المجاورة ومده إليه ، إرتفع حاجبي رامي استغراباً: إيه دا ؟
- دا مصحف
- عارف ، بس بتدهولي ليه ؟
- مش أنت طلبت كتاب ف الدين شامل حاجات كتير؟ ،
يبقى مافيش أحسن من المصحف
تردد كثيراً قبل أن يمد رامي يده ليأخذه ولكن
عبدالحميد أرجع يده بعيداً عن متناوله سائلاً: أنت متوضي ؟
أجابه مصدوماً: لا
- لما تتوضى أبقى إمسكه
- بس .. بس .. أنا مش بأعرف
- يبقى تتعلم
- إزاي ؟
- إلبس شبشب في رجلك وحصلني على الحمام
بعد أن أنتهى من تعليمه كيفية الوضوء وتأكد من صحة
وضوءه تركه يأخذ المصحف ويدخل إلى غرفته ليقرأ به قليلاً.
اقتربت أم يحيي من زوجها تسأله متعجبة: أنت ليه
أصريت تعلمه الوضوء وإديته المصحف يقرأ فيه ؟
إلتفت إليه مبتسماً: بس أنا ما أصرتش ، أنا عرضت
عليه وهو ما رفضش ، لو كان رفض كنت هأسيبه
- طب وإيه اللي خلاك تقوله كدا ؟
- مش عارف ، حاسس إنه هيجي منه ويفيد الإسلام
- بس دا مش مسلم ؟
- اللي بيسلم بعد بحث وقراية واقتناع بيبقى إسلامه
وتمسكه بدينه أقوى من اللي مولود ودينه الإسلام ، وما تنسيش إنه كلنا مولودين على
فطرة الإسلام
- ربنا يهديه ويقربه منه أكتر
- آمين
قالها شارداً وهو يفكر في صحة فعلته ، مردداً دعاء
زوجته.
---------------
استأذن نعيم في الدخول إلى مكتب ديما مبتسماً ،
نبهته ديما بجدية إلى فتح الباب الذي أغلقه خلفه.
فتحه قائلاً بأسف: معلش ما أخدتش بالي
ديما ببرود: ولا يهمك ، حضرتك كنت عايز حاجه ؟
استغرب لمعاملتها له بتلك الطريقة ولكنه لم يعلق:
سمعت إنك قبلتي المناقصة اللي مع شركة الصناديلي
أجابته بجفاء: أيوه
ضيقت عينيها وسألته بترقب: ولا عند حضرتك رأي تاني
؟
حافظ نعيم على إبتسامته الهادئة أمام جفاءها: لا ،
دا عين العقل أنا كنت خايف لترفضي ، الناس دول شغلنا معاهم هيجبلنا أرباح كتير
ديما بشك: طب الحمدلله
صمتا لدقيقة قبل أن يتساءل نعيم متنحنحاً: هي
والدة الأنسة مريم زارت ابنها ؟
أجابته ديما بترقب: المفروض إنها هتروح تشوفه
إنهارده ، دا حتى حضرتك اللي جايب إذن الزيارة
أومأ نعيم بحرج: أه فعلاً فعلاً ... طب عن إذنك
أرجع أشوف شغلي
أومأت بإبتسامة مزيفة: إتفضل
بعد خروجه رفعت ديما السماعة طالبة من السكرتيرة
بجدية: قولي لأستاذ فؤاد إني عايزاه في مكتبي فوراً
دق فؤاد الباب بعد ذلك بدقائق وعلى وجهه ملامح
الترقب لسبب هذه الدعوة.
سألته ديما مباشرة: المناقصة اللي بينا وبين شركة
الصناديلي درستها كويس ؟
- أيوه ، والمناقصة كويسة جداً
- متأكد ؟
- أه طبعاً ، دي مش أول مرة نتعامل معاهم بس الفرق
إن دي أكبر مناقصة بينا وبينهم
- أها
- هو حصل حاجه يا مدام ديما ؟
- لا أبداً ، أنا حبيت أتأكد بس
- على العموم إحنا هنبدأ تنفيذ الإتفاق من بكره ،
يعني مافيش وقت للتراجع حتى لو فكرتي
أومأت ديما صامتة فاستأذن مغادراً لتغرق في
أفكارها من جديد ، فيا ترى ماذا يخطط الآن وكيف ستأتي ضربته القادمة ، هل من
الممكن أن تكون ظالمة في حقه ؟ ، كيف يريد التخلص منها وفي ذات الوقت يرشدها لما
ينفعها ، وما هي الفائدة التي ستعود عليه من أذيتها ؟ ، في النهاية ستثبت الأيام
صحة ظنها أو خطأه.
--------------
وقفت بوسي فجأة ممسكة بالهاتف وهي تتحدث بعصبية:
وأنا ذنبي إيه يعني؟ ... لا يا شيخ ؟ هو أنا اللي قولتلك تقفل الموبايل بتاعك ؟
... أنا فضلت اتصل بيك عشان أقولك إنه السنيورة اللي اسمها ديما جت هنا ومش في
البيت وإنه شادي قدر يقنعها ... ما أنت اللي اتسرعت كنت أصبر شوية !
صمتت تستمع لما يقوله الطرف الأخر ثم ردت بهدوء:
طب وهتعمل إيه دلوقتي؟ ... لا ما اعرفش عنه حاجه من ساعة ما سافر ... عارفة إنه
جوزي ... أعمل إيه يعني بقاله أكتر من العشر تيام مش بيرد عليا ولا بيجي المنتجع
... مين دا اللي تأثير بوسي ما ينفعش معاه ؟ أنت بتهزر صح ؟!! ... أووووف طيب طيب
هأحاول تاني ... خلاص تمام لو عرفت حاجه هأقولك ... سلام
أغلقت الخط متنهدة بقوة وهي تفكر بطريقة لإستعادة
سيطرتها على باسل مرة أخرى.
قررت المحاولة مرة أخرى وأمسكت الهاتف طالبة أحد
الأرقام ولكن رفض من اتصلت به استقبال المكالمة ، رمت الهاتف على الفراش بحنق وهي
تهتف بغضب: ماشي يا سي باسل ، هتروح مني فين يعني ، مسيرك هتيجي يعني هتيجي
لم تشعر بذلك الشخص الغاضب الذي استمع لمكالمتها
ثم أغلق الخط بسرعة قبل أن يتعالى رنينه وتكتشف أنه بالخارج يتنصت عليها.
انصرف بهدوء كما أتى وهي في عالم أخر من الشر
والتفكير الشيطاني.
---------------
فتح أحد العساكر الباب قائلاً بجدية: الزيارة ربع
ساعة بس ، لو حبيتي تخرجي خبطي عا لباب من جوه عشان أفتحه
أومأت والدة مريم: ماشي يا ابني
تم غلق الباب بعد دخولها لتجد فلذة كبدها يجلس على
طاولة مخفض الرأس ، اقتربت جالسة بالمقعد المقابل له بصمت.
سمع صوت تحرك المقعد فرفع رأسه ببطء ليواجه نظرات
اللوم والعتاب.
فعل ما لم تتوقع الأم أبداً أن يفعله ابنها في يوم
من الأيام مهما كان حزنه أو ألمه ... بكى ! ... بكى منكس الرأس.
باغتته بالسؤال: ليه عملت كدا يا محمد ؟ ليه ؟
رفع رأسه والدموع ما تزال مستمرة في السقوط: والله
ما عملت حاجه ، أنا روحت كانت كدا
سألته الأم وهي تدفع الدموع بعيداً عن عينيها
محاولة التركيز على كل ما سيقوله: وإيه اللي حصل؟ ، احكي لي كل حاجه بالتفصيل يا
محمد
بدأ في سرد ما حدث وهي تصغي لكل كلمة بل كل حرف
مما يقوله ، لعل طريق نجاته من بين هذه القطبان مدفون بين كلماته.
*****
بعد أن أخذ العنوان من المعلم حسونه توجه إليه
مباشرة ليطلب المال من شقيقته بحجة مرض والدتهما.
كان يشعر بالسعادة لقرب حصوله على المال ، سيستطيع
أن يشتري ما يغيب عقله وينسى به حاضره الأليم ، ليحلق في عالم أخر من صنع خياله ،
عالم ليس به إلا من يريد كما يريد.
وصل إلى البناية ناقلاً بصره بين الورقة التي بيده
حيث كُتب العنوان وبين اللوحة المكتوب عليها رقم البناية ، تأكد من أنها البناية
المقصودة فصعد وفرحته تزداد كلما اقترب من هدفه.
ترجل من المصعد واقترب من الشقة ، حيث تفاجأ بصوت
صراخ تبعه سقوط أحدهم أرضاً ، سمع أنيناً ، حرك رأسه يميناً ويساراً محدثاً نفسه
بسخرية: هما الحجرين اللي الواحد شربهم مضروبين ولا إيه ؟
وضع أصبعه على الجرس ، ولكن ليس هناك من مجيب ، ظن
أنه لا يوجد أحد بالشقة وما كاد يتراجع حتى وجد الباب يفتح.
تعجب قليلاً ، فمن فتح الباب لم يظهر أو يتطلع على
الطارق ، فقط ضغط على مقبض الباب ليسمح بالطارق أن يدلف إلى الداخل.
دفع الباب بيده ودخل متردداً ، صدمه جسد شقيقته
الملقى أرضاً وهو غارق في الدماء والسكين ما تزال مرشوقة قرب قلبها.
جلس بجوارها مصدوماً يسمع أنينها الضعيف قبل أن
تصمت نهائياً.
مد يده بتردد ونزع السكين غير مدرك لما يفعله ،
تقطرت بضع نقاط من الدماء على ملابسه وكسى الدم كفيه.
نهض مفزوعاً وترجع ملقياً السكين بجوار الجسد
الدامي وركض عائداً من حيث أتى دون أن ينظر خلفه ، وترك باب الشقة مفتوحاً.
*****
علقت الأم محدثة نفسها: يعني في حد تاني هو اللي
عمل كدا وفتحلك الباب
- مش عارف ، أنا حكيتلك اللي حصل بالظبط
- طب جريت روحت فين ؟
- روحت ع البيت وكان جسمي متلبش ومش عارف أعمل إيه
ولما سمعت صوت السارينة بتاعت البوليس هربت على بيت محسن صاحبي
أضافت الأم بسخرية: وحرمك المصون هي اللي بلغت عن
مكانك
أجابها بحسرة: أيوه ومش بس كدا دي جات هنا إمبارح وطلبت
الطلاق يا إما هترفع قضية
سألته بهدوء مخفية صدمتها: وأنت متوقع إيه من
واحدة زيها ؟ ، ياما حذرتك منها ومن غدرها وأنت اللي كنت منشف دماغك
محمد بندم: كنت زي الأعمى ، سامحيني يا أمي ،
وياريت تقولي لمريم تسامحني ، صدقيني أنا عمري ما فكرت ولا هافكر أضرها
- واللي كنت بتعمله فيها دا كان إيه ؟ ، مش كان
ضرر وأذية ؟ ، لما تجوزها لواحد متجوز غيرها بدل الواحدة إتنين وبيغير في الستات
أكنهم هدوم ، وتحرمها من إنسان ابن حلال كان هيحبها ويصونها ويحطها جوا عينيه كل
دا ما ضرتهاش؟ ، دا طبعاً لو خرجنا ضربك ليها وإنك شغلتها من وهي بتدرس بره الحسبه
توسل لها بندم حقيقي: أبوس إيدك يا ماما سامحيني ،
أنا مستعد أقضي عمري كله هنا حتى لو ماليش ذنب بس تسامحيني إنتي ومريم
أمسك يدها مقبلاً إياها ودموع الندم تنزل بغزارة
مغرقة يديها.
دخل الحارس قائلاً بصوت قوي جهوري: الزيارة انتهت
نهضت الأم ولم تستطع السيطرة على دموعها أكثر من
ذلك هي الأخرى.
سألها بتوسل: هتيجي تاني ، صح ؟
نظرت إليها محاولة إشباع نظرها منه وقالت بإبتسامة
حانية: هو أنا أقدر أسيبك ، وما تخافش أنا مسمحاك لإنه أنا غلطت زيك لما ما وقفتش
قدامك ورجعتك لعقلك ، مش هأموت أنا وأبوك وإحنا الإتنين غضبانين عليك
- ربنا يخليكي ليا يا أمي
- وما تخافش هتخرج من هنا قريب
أومأ بصمت ، وغادرت دون أن تضيف كلمة أخرى فقد
أشفقت على الحال التي وصل إليها.
لقد كان ذا جبروت ونسي أن جبروت الله أقوى وأشد.
0 التعليقات:
إرسال تعليق