خاتمة الجزء الأول


جلست تأخذ أنفاسها في راحة فقد تعبت حتى جعلت أحمد يستسلم للنوم، سحبت دفترها وقلمها من الدرج المجاور ومدت ساقيها على الفراش، لقد عقدت النية على كتابة أجمل اللحظات التي جمعتها مع زوجها حتى تكون شفيعاً له لديها وقت الخلاف.
لم تكن قد خطت فيه حرفاً زائداً عما قرأه حمزه قبل مدة دون علمها، أمسكت قلمها متنهدة تريد أن تكتب القليل قبل أن يعاود أحمد الاستيقاظ أو يقبل حمزه مطالباً بحصته من الطعام وخلافه من المتطلبات.
سمت الله وقبل أن تضع نقطة واحدة في الدفتر ارتفعت أصداء رنين الجرس معلنة وصول حمزه إلى منزله، انتضت ملقية الدفتر والقلم على السرير، تركض مسرعة لتفتح الباب وتسابق الريح التي ترسل صوت الرنين في أرجاء البيت قبل أن يصل إلى مسامع صغيرها فيستيقظ حينها وبلا شك ستفقد عقلها أو ما تبقى منه على الأقل.
فتحت الباب بملابس المنزل وشعرها متبعثراً حول صفحة وجهها، وجدت حمزه قد قطب جبينه حالما رأها، دخل وأغلق الباب ونظر إليها بعينيه اللتين تقدحان شراراً: إيه اللي إنتي عاملاه ف نفسك دا ؟؟
نظرت لملابسها لتعلم سبب إنفعاله، وجدت بقايا تجشؤ أحمد على كتفها إثر وجبته ونومه، أسرعت تبرر: معلش يا حبيبي يظهر وأنا بأنيم أحمد أتكرع على كتفي
لم يتحرك قيد أنمله قائلاً بغضب يوشك على الإنفجار: مش قصدي على كدا .. قصدي دا منظر تفتحيلي بيه الباب ؟؟
رفعت إليه رأسها وكزت على أسنانها غيظاً: معلش أصلي معرفش إنه جانبك عايزني أفرشلك الأرض ورد وألبسلك بدلة رقص
حاول عدم إظهار إنفعاله بسبب غضبه وأكتفى بقول: رجليك باينه وشعرك .. ودراعاتك كمان .. عرفت إنك بتربي عضلات، لازم كل اللي طالع واللي نازل يعرف يعني ؟
أدركت أن سر حنقه هو الغيرة من أن يراها غريباً بهذا الشكل، استدركت الموضوع وسألته بهدوء كأن شيئاً لم يحدث: أجهزلك الأكل ؟
أجابها متجهاً إلى الغرفة: لو مافيهاش مضايقه يعني .. هأغير هدومي وأجي
دخل إلى الحجرة وبدأ في نزع ملابسه حتى لاحظ دفتر مذكراتها الذي حفظ شكله عن ظهر قلب ملقى بإهمال على الفراش، استشفى أنها كانت تمسكه قبل قدومه ورمته بسبب رنين الجرس، قلب صفحاته فوجد أن حرفاً واحداً لم يكتب منذ أخر مرة قرأ سطوره فأعاده إلى مكانه على وعد بالعودة إليه في وقتٍ لاحق .. ألقى نظرة سريعة على ملاكه الراقد في سرير يجاور سرير والديه، ابتسم بحنان وأنصرف يزيح عنه عناء ومشقة العمل بقطرات من الماء.
وقفت تُعد له الطعام وتضعه في الصحون وإبتسامتها الجذلة لا تنزاح عن شفتيها، كلما غار عليها كلما اشتدت سعادتها ووثقت بحبه أكثر، تذكرت كيف كان وكيف أصبح الآن، إنه يحاول أن يصبح كالزوج الذي تخيلته دوماً إن لم يكن أفضل، لقد داوم منذ عادا من شهر عسلهما على قراءة الكتب الدينية متفقهاً في دينه ليكون قدوة لأولاده مستقبلاً.
كان يتلمس مواطن الخير ويفعلها بل ويشاركها فيها حتى لا يزيد أجره عن أجرها في شئ، كل شهر كان يبدأ في ممارسة عادة جديدة لتصبح من روتين يومه فأولاً بدأ بصلاة السنة التي كثيراً ما كانت تتكاسل عنها .. لحقها قيام الليل ومؤخراً شرعا في الحفاظ على صيام يومي الإثنين والخميس.
يقترب من الله خطوة ويرسخ أقدامه بها ثم يسحبها إليه حتى لا يهتز أحدهما، ليس هدفه أن يظلا سوياً لعدة أعوام بل أن يكملا حياتهما معاً في العالم الأخر بالفردوس حيث لا نهاية أو فراق، ظلت تردد الحمد على لسانها حتى أنتهى من طعامه وانصرف إلى كتابه يكمل قرأته.
تحججت أن وراءها بعض الأعمال المتعلقة برعاية أحمد وانسحبت إلى غرفتها، أمسكت دفترها لتخط بسرعة خواطرها؛ فهي تعلم إن لم تكتب ما في بالها الآن فلن تكتبه أبداً ..
" ربي غفرلي .. لا ورزقني
بالحب الصح .. حب بجد
زوج صالح بيصحى الصبح على أدان الفجر
يغضب مني لو مرة فاتت عني صلاة العصر
أو كسلت أصلي الفرض
يجبلي كل يوم مصاصه وبونبون
لو زي الشطار صومت معاه كل كام يوم
*
-هشششش
أوعى حد يقولوا مكان الشــــــــ
-يا حيــــــــــــــــاه
-أيوه يا سي حمزه
-فين خبيتي الشبشب ؟؟ فيه ناس نفسها تتشبشب
-ليه بس يا روح قلبي وضي عينا ونوري وشمسي
قوام خرجني من تحت الكرسي ومسك ودني وقالي:
-ليه ما قرتش الورد يافندي ؟؟؟
*
والرقية الشرعية
دي كل ليلة واجب مفروض
يقعدني قدامه زي الطالب المفروم
ويبدأ عليا شغل شيوخ .. يسرح ويعيش ف الدور
*
-طب والسبحه ؟!
-خلاص ماهو سابها
صوابعي عليها بقى بيسبح
*
كل ليلة أصحى على صوته بيدعي
إنه يعينه على حبي ويقدر يسعدني
فجأة ألاقيني بأبكي بعيني وأدعي بقلبي
ربي عنه ما تفرقني
*
-راحت فين ؟؟.. تاهت مني!
-إيه هي.. مالك يا بَدرِي!
-دي الطرحة السوده المنقطة زهري
-قصدك دي ؟؟
دي مش طرحة حبيبتي .. دي نقاب يا قلبي
روحي شوفي غيرها .. تداري شعرك مش منه تبين شعرة وخصلة!
*
-وإيه دا كمان ؟؟
-دا يا حبيبي فستان !!
-لا والله ؟؟ .. دا من غير كومام!
-هألبس عليه يا عيوني بوليرو
-يا قلبي دا ما ينفعوش لا شال ولا حتى كاب
-طب والعمل ؟
-رووووحي غيري .. بدل ما أفتح دماغك الهباب
وأضربك بالقبقاب!
*
الله أكبر الله أكبر
تكبيرة الصلاة والوقت أهو أزف
لا .. دا مش مسجد .. دا حبيبي بينادي
أصله وقت القيام خلاص دنى
عن إذنكوا بقى أنا ..
ألحق أتوضا وأقف وراه قبل ما يبدأ يتلو القرآن
يرضيكوا يناجي ربنا لوحده ويسبني وحيدة مني للشيطان ؟؟
صحيح قبل ما أنسى ..
دا حلالي .. بعلي حبيبي
في الجنة قبل الدنيا هو شريكي      "
أغلقت دفترها تلحق بصلاة القيام خلف زوجها، وبعد عدة ساعات عندما تأكد من نومها، فتش عن دفترها حتى وجده، فتحه ليقرأ الكلمات، تبسم في سرور وأمسك القلم الموضوع بجواره وكتب لها بخطه المنمق الجميل عبارة دق لها قلبها عندما رأتها بعدها بأيام عندما عاد بينهما الجدال والكثير من المناوشات فأسرعت تضمه تخبره عن حبها متناسية أنه هو من أخطأ في حقها .. فيكفيها أنه خَطَ لها ...
" إني رُزقتُ حبها "

تمت بحمد الله الجزء الأول .. إلى الملتقى مع الجزء الثاني
17-4-2015 

0 التعليقات:

إرسال تعليق