(55)


تنهدت بقوة فقد أثقل كاهله حمل العمل الذي لا ينتهي ، بعد سفر عادل وشيماء لقضاء شهر العسل تولت هي مسئوليتهما معاً بالإضافة لأعباء عملها هي.
دلف إبراهيم الساعي باسماً وهو يحمل باقة ورد حمراء شديدة الجمال فسبحان الخلاق وتبارك في علاه.
رنا بإستغراب: إيه دي ؟
إبراهيم باسماً: دا ورد كل يوم يا مدام رنا
رنا متنهدة: ولسه ما عرفتش مين اللي بيبعته ؟
هز الرجل كتفيه مشيراً إلى جهله فأمرته بالأنصراف وبحثت عن الكارت المتواري بين الورود خجلاً ، إن ذلك المجهول يرسل لها هذه الباقة يومياً إلى عملها ويرفقها ببطاقة عليها أجمل الكلمات.
قرأت كلماته هذه المرة فكانت ...
 أين تباع المسافات ؟!
لعلى أشترى أقربها إليك   "
ابتسمت لرقة الكلمات متسائلة من تراه صاحب هذه الباقات ؟
-------------
تأخرت كثيراً على موعد خروج كمال من مدرسته ، بالتأكيد ينتظرها في الشارع شاعراً بالضيق منها ، يجب عليها الإسراع أكثر.
ركضت لتلحق بالمصعد قبل أن يغلق بابه ، ركبت لتفاجأ بوجود شاب ذو لحية خفيفة ، يا الله ! ... أكان يجب عليّ التسرع والركوب بهذه الطريقة ؟؟ ، لو لم أوهم نفسي بأني سألحق بموعد خروج كمال من مدرسته بعد أن أوصل هذا الكتاب إلى الدار ما كنت ركبت مع هذا الشاب ولكن ما باليد حيلة ، وقفت بأحد أركان المصعد تقبض يديها إلى بعضهما بقوة وتنظر أرضاً.
تنهدت بعمق فلم يرمقها الشاب ولا بنظرة ، دعت في سرها أن تمر تلك الرحلة القصيرة بأمان فليس لديها الوقت لتهبط في الطابق التالي وتنتظر خلو المصعد ولكن ...
توقف المصعد فجأة وانطفئ الضوء ، تمتم الشاب بحنق: يظهر إنه النور قطع
زفرت بغيظ كاتمة صرخة تريد الخروج ، أهذا وقته ! ، ألانها ركبت برفقة شاب بمفردهما ولم تهبط في الدور الذي يليه بعد إدراكها خطأها يعاقبها الله بمكوثها فيه مدة أطول.
هزت رأسها قائلة لنفسها: لا دا مجرد إختبار أكيد إختبار بس
نظر إليها لأول مرة بإندهاش مفكراً: أجنت هذه أم ماذا ؟ ، تتحدث إلى نفسها ؟ ، اللهم إعفنا مما ابتليت به غيرنا
مرت ربع ساعة وبدأ صوت بكاءها يعلو ودموعها تغرق نقابها ، تستغفر وتستغفر عسى الله يغفر لها ذنبها وخطأها.
ظن أنها خائفة من تعطل المصعد والظلام رغم شعاع الضوء الذي يهبط من فتحة المصعد العلوية ، تحدث مواسياً بصوت يبعث على الطمأنينة: ما تقلقيش أكيد النور مش هيطول خصوصاً هنا في الزمالك
ما إن تحدث حتى إرتفع نحيبها وزاد إنكماشها على نفسها ، اقترب برأسه منها بقلق: إنتي كويسة؟
رفعت يديها المخفية داخل قفازيها السود فابتعد مندهشاً ، شعرت بهبوط في دورتها الدموية وبدأت تنزلق حتى جلست على أرضية المصعد ، شعر بإنها ليست بخير فسألها: مالك ؟؟؟
حركت يديها أمام وجهها كأنها تستدعي نسمة هواء ، شاهد مقاومة عينيها للإنغلاق.
أنزل حقيبته الرياضية من فوق كتفه وأخرج زجاجة ماء وقدمها إليها ، تناولتها وبدأت تشرب القليل من أسفل النقاب بينما أخرج هو منشفته وبدأ بتحريكها أمام وجهها متوسلاً: أبوس إيدك إوعي يغمى عليكي
أشارت له بأن لا يقلق لم ترد وعينيها قد أغلقتا تماماً ، اقترب بوجهه من وجهها ليتأكد لكنها فتحت عينيها فجأة فتراجع مذعوراً ، لما تنظر له بهذا الغضب ؟؟؟
قال لها بهدوء بعد أن تفهم سبب غضبها: أنا شوفت عينيك غمضت افتكرت إنه اغمى عليكي وحبيت اتأكد مش أكتر
أجابته لأول مرة بصوتها بهدوء: أنا كويسة الحمدلله
أومأ صامتاً هو هذه المرة ، تحرك المصعد أخيراً بعد عودة التيار الكهربي وانطلقت مسرعة إلى أخيها.
---------------
تتفحص الفيس بوك الخاص بها بملل حتى وقعت عينيها على منشور لإحدى الصفحات:
لا تبكى ياحمقاء ، هو يزور كل ليلة عشرة نساء .. يقضي الليل يفكر بـ السمراء والشقراء .. ويتساءل عن اليوم التالى : من سيلتقي .. !؟ ذات العيون العسلية أم البنية أم الخضراء .. هو يا غبية يصاحب الكثير من النساء .. وكما كان يقول لك بأنه يعشقك بحجم السماء .. يقولوها لـ ألف غبية سواك صباح مساء .. إستيقظي قبل أن يمضى عمركِ هباء.  "
انهمرت دموعها فهو دائماً كان زير نساء حتى ظهرت في حياته هكذا قال لها في إحدى المرات وبالتأكيد عاد لحياته تلك بعد أن فقد الأمل من رجوعهما لبعض.
طرقت والدتها الباب قبل أن تدخل مبتسمة: بنوتي الحلوة بتعمل إيه ؟
مسحت دموعها ورسمت إبتسامة: بافيس يا مامي
ضحكت الأم: بافيس ؟؟ ، إيه الكلمة دي ، المهم قومي إلبسي العريس على وصول
تنهدت ميرنا: حضرتك لسه مُصرة ؟
جلست الأم بجوارها قائلة بحنان: أيوه ، شوفيه ولو ما عجبكيش فيه حاجه إبقي أرفضيه ، ماحدش هيجبرك على حاجه لا أنا ولا بابا
أومأت بصمت ، تركتها والدتها تستعد ، إرتدت ثوباً فضفاضاً من اللون الزيتوني وفوقه سديري جينز وتوجته بحجاب يخلط بين الزيتوني والبني والبيج ، لم تضع أياً من مساحيق التجميل فقد أقلعت عن هذه العادة.
دلفت والدتها قائلة: العريس بره مع باباه ومامته
أومأت ميرنا: أنا خلاص خلصت لبس
الأم: طب يلا عشان تقدمي العصير
كادت والدتها تغلق الباب ولكنها نادته متسائلة: هو اسمه إيه ؟
ابتسمت الأم لإهتمامها بشئ يخص العريس: يحيي
استمر الاسم يدور ويدور بعقلها ، لا تعرف أحداً بهذا الاسم فكيف عرفها وأين رأها إذا ؟؟ ، أخذت نفساً عميقاً واتجهت إلى المطبخ.
------------
دلف فوزي إلى غرفة ابنته بعد إلحاح دام لساعات من سعاد متعللة بأنه الوحيد الذي يستطيع إقناعها فهي ابنته المدللة.
ابتسمت هدى: أهلاً يا بابا
جلس على طرف فراشها مبتسماً بقلق: أهلاً بيكي يا بنتي
تنهدت هدى: خير يا بابا ، ماما مسلطاك عليا ليه ؟
تنحنح فوزي بحرج: دا أنا مكشوف على كدا بقى
ضمته إليها قائلة بحب: ما أنت بابتي حبيبي
ابعدها مصطنعاً الجدية: طب ما دام كدا بقى يبقى تقبلي تشوفي العريس اللي جاي بكره دا
ضحكت هدى وقالت بمرح: أنت وماما مش بتخلوني أبات عند صحابي اللي بقالنا 5 سنين صحاب ، ولا عند تيته اللي بقالها 34 سنة جدتي ، بس في المستقبل هتخلوني أبات عند راجل غريب عشان كتبلكوا اسمه على ورقة ، طب حيث كدا بقى ، ما تجيب الورقة دي وأمضيلك عليها أنا يا حاج !
قهقه الأب بعزم ما فيه قائلاً: يخرب عقلك ، إنتي بتجيبي الكلام دا منين ؟؟
تنهدت وقد تذكرت نصيحة ديما فأردفت بهدوء: ماشي يا بابا
نظر لها بدهشة: ماشي إيه ؟ ، هتمشي العريس؟
ضحكت هدى: لا ، ماشي هأشوفه
ضيق عينيه بشك: مش مطمنلك
ابتسمت بضعف: المهم عندي رضاك ورضا ماما ومادام مجرد مقابلته فيها رضاكم خلاص
ضمها إلى أحضانه قائلاً بحب: ربنا يخليكي ليا وأنا طول عمري راضي عنك
نظرت له قائلة بمزاح: مادام مش هتجبروني عليه ومجرد مقابلة أنا موافقة ، وأهو الواحد ياكل الجاتوه اللي هيجيبوه ههههههه
صفعها برقة على رأسها ضاحكاً: أه يا فجعانه
-----------------
حملت الصينية ودخلت إلى حجرة الصالون بتمهل ، قدمت العصير دون أن ترفع نظرها وجلست وهي ما تزال خجلى.
- يا عمي ، أنا مش عايز خطوبة طويلة كفاية شهر وبعد كدا نكتب الكتاب وبعدها بأسبوعين الفرح
رفعت رأسها إلى المتحدث مصدومة ليس من العرض فقط ولكن من الصوت ، إنه .... رامي!
والد ميرنا بدهشة: بس دا مش بسرعة زيادة ؟
عبدالحميد باسماً: ما دام كل شئ جاهز ليه العطله ؟
والدة ميرنا: طب مش المفروض يتعرفوا على بعض الأول !
أم يحيي: ما هو في شهر خطوبة
عبدالحميد مضيفاً: ولو بعد الشهر ما عدى وصاحبة الأمر حبت تمدها أكتر إحنا ما عندناش مانع
إلتفتت إليها والدتها بتساؤل: إنتي إيه رأيك يا ميرنا ؟
لم تعرف بما تجيب ، أنقذها رامي -أو يحيي كما يزعمون- : ممكن بعد إذن حضرتك يا عمي أقعد مع ميرنا لوحدنا نتكلم شوية
أومأ والدها: طبعاً ، دا حقك
والدة ميرنا لأم يحيي: اتفضلي معايا أوريكي المنظر اللي بتبص عليه البلكونه
عبدالحميد مازحاً: لو عندك شطرنج يا ريت ، الواحد مخه صدا عشان بقاله فترة ما لعبهاش
والدة ميرنا ضاحكاً: أه فيه ، هأجيبه نلعبلنا دور ع الماشي
غادر الجميع ولم يبقى غيرهما ، ظلت تنظر إلى أسفل تفكر ، من هذا ، أيعقل أن يشبه رامي إلى هذا الحد ؟؟ حتى نبرة الصوت متطابقة ! ولكن لما هذه اللحية ؟ لم يكن رامي يحبها.
قطع يحيي تفكيرها قائلاً بإبتسامة: إزيك يا ميرنا ؟
رفعت رأسها بسرعة مقطبة الجبين وسألته: أنت مين ؟
أجابها باسماً: أنا يحيي
هز رأسها نافية: لا أنت مش يحيي ، أنت رامي
أجابها بإصرار: لا أنا يحيي عشان كدا ينفع اتجوزك لكن رامي ما ينفعش
نظرت له بعيون تائهة: أنا مش فاهمة حاجه
أومأ: أنا هافهمك
رددت متنهدة بحيرة: يا ريت
قال ببساطة: أنا أسلمت يا ميرنا
حدقت به مصدومة ، أصحيح ما قال ؟ أم أذنها قد خانتها ؟
- هأقول على كل حاجه من الأول ......
---------------
سحبت كرسي المكتب وجلست عليه ، أخرجت دفتر من درج المكتب وأمسكت قلمه لتخط بعضاً من أفكارها.
" إلى زوجي المستقبلي –هذا إذا أتيت يوماً-
    لقد تحملت من أجلك الكثير ، تعرضت لعدة إهانات
وجرحت كرامتي من الداني قبل القاصي ، وذلك
كان أملاً في إيجادك بينهم ، لست بالشخصية الرومانسية
الحالمة ومع ذلك كنت أتمنى أن أجد من يحبني وأحبه
يقربني إلى ربي ويكون عوناً لي في ديني ودنياي
وأنجب منه الكثير والكثير من الأولاد فهم ملائكة الرحمن
في الأرض ونور الدروب ومفاتيح الفروج ، ولكن برغم
حبي وتعلقي الشديد بهم لم أكن يوماً لأتسرع
وأختار أي أب لهم ، يجب أن يكون قدوة لي كي
أقبله قدوة لهم.
لم أطلب من صفاتك الكثير ما تمنيته حسن خلقك
وتمسكك بدينك ، لم أطلب يوماً أن أتزوج أحد المشاهير
ولم أفكر في لون العيون سواء كانت زرقاء أم خضراء
ولم أفكر إذا كان شعرك يتدفق كالحرير ، فقط أردتك
لربي من الشاكرين.
لقد رفضت من أجلك الكثيرين ، فلا تكون عني من الزاهدين.
أتمنى أن يكون قدوتك من الصالحين كما هي قدوتي
من المؤمنين.
زوجتك المستقبلية,
هدى    "
أغلقت الدفتر على وعد كلما خطر ببالها شئ ستكتبه وتقدمه بعد كتب الكتاب إلى زوجها –إذا أتى يوماً-.
--------------
-أختفيت وبعدت عن كل الناس وكل الحاجات اللي ممكن تشغلني ، قريت حاجات بسيطة عن الإسلام ، مواقف كانت بتيجي صدفة قدامي على الفيس من سيرة الرسول –عليه الصلاة والسلام- كانت بتزود إعجابي بيه وبشخصيته ، كنت بألتمس ليهم العذر إنهم يثقوا فيه وفي الدين اللي نزل بيه ، بس كرهته لما كان سبب في بعدك عني ، لكن قعدت مع نفسي وفكرت طب ما زي ما دينك كان السبب ديني كان السبب لإنه لو ما كنتش مسيحي ما كانش هيبقى في مشكلة في جوازنا ، بقيت اتعمق في الإسلام ف الأول كان عشان ألاقي ثغرة أو مبرر أقنعك بيه إننا ممكن نتجوز دا طبعاً بعد ما رفضتي تتجوزيني ، لكن لما قريت فيه حبيت الإسلام أكتر ، قريت عن مشركين وزوجاتهم مسلمات بردو عشان أقنعك بس لاقيت الظروف غير الظروف ، قلبي اتفتح للإسلام أكتر بقيت أقرا فيه عشان يشبع نهمي لمعرفته والتوسع فيه ، انعزلت تماماً عشان يبقى وقتي لإكتشافه واسلمت بفضل الله.
حركت شفتيها بدون قول كلمة ثم تنهدت بعمق وسألته: أنت بقيت مسلم دلوقتي يعني ؟
أومأ مبتسماً بسرور: أيوه الحمدلله
استفهمت: وغيرت اسمك ليه ؟ ومين اللي معاك دول ؟
ابتسم بهدوء: دا بابا عبدالحميد ومراته دي في مقام ماما الله يرحمها ، هما كانوا السبب ف اللي أنا فيه دا والقرار اللي أخدته حطوني على أول الطريق ، دلوني للصح من غير ما يجبروني عليه ، ساندوني ف وقت حاجتي وشاركوني فرحي ، بس ربنا منع عنهم نعمة الخلفة وكان نفسهم يبقى عندهم ولد اسمه يحيي وفعلاً حسيت إني ابنهم ودا كان سبب ف تغيير اسمي
- بس شكله مش السبب الوحيد
- فعلاً ، السبب التاني إني كنت عايز ابدأ حياة جديدة باسم جديد ، ما يفكرنيش بالحالة اللي كنت فيها من ضياع وفراق وبعد عن الشخص اللي دق له قلبي
نظرت أرضاً وقد أحمر خداها ، قال مبتسماً: تحبي تسألي عن حاجه محدده ؟
- أنت اسلمت عن اقتناع ؟ يعني مش هتيجي في يوم تندم ؟
- بالعكس أنا ندمان عن كل دقيقة ضاعت من عمري ف غير الإسلام
- هتعيني ع الطاعة ؟
- هنعين بعض عليها ، هنقرب من ربنا وإيدينا في إيد بعض
دخل الأهل ونظر لها والدها يستشف قرارها ، رأى ابتسامتها ولمعة السعادة بعينها فعرف ردها.



0 التعليقات:

إرسال تعليق