(51)


فتح الباب وادخله في صمت ، لقد شعر بالراحة لعدم وجود رنا هنا في هذه اللحظة حتى يخرج ما في جعبته.
سأله علي بغضب: فين رنا ؟
الأب بهدوء: اتفضل اقعد
كز على أسنانه مكرراً: فين رنا ؟ فين مراتي ؟
- مش هتبقى مراتك لمدة طويلة
- قصدك إيه ؟
- قصدي إنك هتطلقها
- لا مش هيحصل ، رنا مراتي وهتفضل لحد ما تموت مراتي
- بس أنت موتها فعلاً
نظر إليه علي في صمت فتابع وهو يجلس: هو مش لما تتجوز عليها واحدة تانية من غير أسباب كافية تبقى بتموتها
علي بعناد: بس دا حقي ، حقي اتجوز إتنين وتلاته وأربعه كمان
الأب: بس من حقها تعرف قبل ما تعمل دا ، مش تحطها قدام الأمر الواقع ، وكما من حقها تقبل الوضع أو ترفضه
- بس هي فعلاً كانت متعايشة مع الوضع
- حاولت ، بس فشلت
- دي مش رغبة رنا ، دي رغبتك أنت
- ما انكرش إنها رغبتي بس بعد ما ضربتها بقت رغبتها بردو
- أنا ... أنا ... أنا ماكنتش أقصد
- ما كنتش تقصد تتجوز عليها ولا تجرحها ولا تضربها ولا تهين كرامتها ، أومال لو كنت تقصد كنت عملت إيه ؟؟؟
علي بغضب: الموضوع دا بيني وبين رنا مراتي وماحدش له حق يدخل بينا !
فقد الأب أعصابه فصاح به: لا يا أستاذ ، لما الموضوع يمس بنتي ويوصلها لحالة الإنهيار اللي كانت فيها يبقى لازم أدخل ، بنتي اللي حضرتك مش مقدر قيمتها دي واللي لو حفيت عمرك ما هتلاقي ضفرها وقفت قدام أهلها اللي مالهاش غيرهم عشان خاطر تتجوزك ، اشتغلت وهي حامل عشان شافتك محتار وتعبان من المسئوليات اللي بتكتر عليك وأنت مش قدها ولا قد مصاريفها وما قالتلكش عشان ما تحسسكش بالنقص وقاطعتني فترة لما حاولت أدخل وأقولها إني هأقولك أو هأساعدك، واللي لما كنت أعرض عليها تسافروا معانا في أي حته بره كانت بتتحجج بأي حاجه عشان ما ترهقكش بمصاريف زيادة ، بنتي دي وقفت جنبك من لما كنت حتة موظف في البنك مالكش أي تلاتين لازمة ولا تفرق عن غيرك ف حاجه لحد ما وصلت لمدير البنك في فترة قليلة ، تفتكر إنك كنت هتتفرغ لشغلك للدرجة اللي توصلك لمنصب زي اللي أنت فيه دا لولا إنها كانت بتشيل حمل من عليك يوقعك ويهدك ؟؟ ، فووووق فووووق بقى من اللي أنت فيه ، أنت من غيرها عمرك ما كنت هتبقى حاجه.
دخلت زوجته في هذه اللحظة وأمسكت بيد زوجها مهدئة: خلاص لحد كدا ، كفاية اللي قولته.
نظرت إلى علي لتجد عينيه مليئة بالدموع ، دموع الندم والإنكسار ، دموع الحسرة والوجع ، لقد قلل من دورها في حياته حتى أنه تزوج غيرها مشيراً إلى عدم إكتفاءه بها كزوجة طاعناً بذلك دورها في حياته بلا رحمة ، رحل فهو فعلاً كما قال والدها في لحظة غضب .... لا يستحقها ... سيختفي من حياتها فيكفيها ما حدث لها بسببه.
حدثت زوجها بعد رحيل علي: أنا ما حبتش أدخل ، بس صوتك لما علي وحسيتك هتتعب قولت كفاية ، وفعلاً كفاية اللي قولته
أومأ الزوج: كفاية فعلاً ، بس دا أعمى وكان لازم يشوف
- بس كان لازم تمسك أعصابك أكتر من كدا ، دا أنت حتى دكتور نفسي يا دكتور
- عارف ، بس عِنده واقتناعه إنه ما غلطش وكمان صوتها وهي منهارة مش بيطلع من دماغي
- خلاص هدي نفسك
- الولاد سمعوا حاجه ؟
- لا لما سمعت صوتكوا طلعتهم مع الدادة ع الجنينة الورانية
- طب الحمدلله ... اتصلي برنا شوفيها فين واتأخرت ليه
- ماشي ، بس هي راحت فين أصلاً؟
- مش عارف ، كانت أعصابها تعبانة ولما قالت وراها شغل سيبتها قولت يمكن لما تقعد مع نفسها تتحسن وتهدا شوية
- ربنا يعدي الفترة الجاية دي على خير.
----------------
قرر مراد تمضية اليوم مع ديما وألغى موعده مع رفاقه ، سعدت ديما بذلك كثيراً ليشغلها عن أفكارها ويسحبها من قلقها على رنا ، تحدثوا في شتى الأمور وناقشوا عدة مواضيع.
دخل عليهم باسل قائلاً بإبتسامة: أنا شايف إنك واخد راحتك أوي يا بابا ، ولا إيه ؟
ضحك مراد: وما أخدش راحتي ليه وأنا قاعد مع القمر دا
ابتسمت ديما بخجل بينما جلس باسل ، قال مراد: يا ابني ما تتهد شوية ، كل شوية سفر ؟
هز كتفيه مجيباً: شغلي هأعمل إيه ؟
مراد: هتروح الشركة بكره يعني ؟
باسل: أيوه ، في ورق مهم عايز أشوفه
مراد: ربنا يعينك يا ابني
نظر باسل إلى ديما بتركيز: مالك يا ديما ؟ ما اتكلمتيش من ساعة ما دخلت يعني ، مضايقة مني ف حاجه ؟
- يهمك أوي إذا كانت مضايقة منك ولا لأ ؟
قالتها بوسي وهي تقف على باب غرفة الجلوس واضعة يديها اليسرى في خصرها بينما تمسك حقيبتها بالأخرى.
باسل بدهشة: إنتي إيه اللي جابك هنا ؟
جلست بوسي براحه واسترخاء كأنه منزلها: عادي يا حبيبي أنا قولت أشوف إيه اللي بيخلي زيارتك لهنا تكتر
باسل بشك: طب ما جيتيش معايا ليه ؟
بوسي بلا مبالاة: حبيت أفاجئك مش أكتر
مراد ناهضاً: أنا طالع أنام شوية لأحسن دماغي مصدعة
لحقت به ديما قائلة: خدني معاك يا بابا ، عندي شركة الصبح ولازم أنام بدري ، تصبحوا على خير
علقت بوسي ساخرة: هو إذا حضرت الشياطين رحلت الملائكة ولا إيه ؟؟
نظر إليها باسل قائلاً في نفسه: كويس إنك عارفة نفسك
استدرك نفسه ولحق بديما قائلاً: ديما ثواني
إلتفتت إليه متسائلة: في إيه ؟
أشار برأسه في إتجاه غرفة المكتب: تعالي نتكلم جوا معلش
سارت إلى حيث أشار بينما نظرات بوسي تتابعهما بحنق ، أغلق الباب خلفهما فنظرت له بتساؤل.
باسل بجدية: اللي قبضوا عليه اعترف إن نعيم هو اللي سلطه يعمل كدا
ديما بدهشة: هو كل دا ما كانش اعترف ؟؟ أومال كان البوليس عايز يقبض عليه ليه ؟
هز باسل رأسه: ما كانش عايز يقبض عليه ، إحنا قولنا إننا شاكين فيه والبوليس كان بيدور عليه عشان ياخد أقواله لكن هو هرب تقريباً كان حاسس بخوف وقلق من اللي اسمه سيد ودا أثبت التهمة عليه
- سيد دا هو اللي اتهجم على مريم ؟
- أيوه هو
- إمممم طب وإيه اللي هيحصل دلوقتي ؟
- لسه بيدوروا على نعيم ، بيحققوا مع سيد تاني يمكن يكون مخبي حاجه تاني
- هو المحامي اللي قالك كل دا ؟
- لا ، أنا وصيت ظابط أعرفه هو يشوفلي الموضوع دا عشان يخلص في أسرع وقت وهو اللي جابلي الأخبار
- طيب لو حصلت حاجه جديدة ابقى قولي
فتحت الباب لتغادر ولكنه أوقفها قائلاً بقلق حاول إخفاءه: عايزك تخلي بالك من نفسك كويس أوي اليومين الجايين دول لحد ما نقبض عليه
هزت رأسها موافقة وصعدت إلى غرفتها أما هو فذهب ليرى ما تخطط له تلك الشيطانة الخبيثة.
---------------
مرت الأيام على نفس المنوال تقريباً ، لم يجد ما هو مهم.
الوضع بين مريم وحماتها بين مد وجزر ، تلتمس الاعذار لها بشكل دائم وأكثر ما يُعينها على التحمل هو حبها لكريم الذي يغدقها به كلما عاد من عمله في المنتجع بالأجازات.
لم تعرف رنا بزيارة علي لمنزل والديها ولا بحديثه مع والدها ، ظنت أنه أنتهز الفرصة ليخرجها من حياته بإرادته حتى أولاده أصبح  يزورهم كل عدة أيام في المدرسة ليطمئن على أحوالهم ولا يضطر لرؤية رنا ولكن ظل الأولاد منزعجين منه منذ صفعه لوالدتهما.
ودعت رنا الزوجين بعد شفاءها التام وخروجها بخير ، أوصلتهما إلى المطار وهي تحسدهما على حبهما رغم كل شئ ، وعدها جاك بحصول التعاقد بين الشركتين وقد أطمئن على مصير تلك الشراكة.
هدى الحال عندها كما هو ، لا يتغير فلا تنفك والدتها تحاول إقناعها بقبول المتقدمين لخطبتها ولكنها كانت ترفض حتى مجرد رؤيتهم فلقد جُرحت كرامتها وخدشت أنوثتها بما فيه الكفاية.
شغلت ميرنا نفسها بعملها وأخذت دورات في لغات متعددة تحاول أن تنسى رامي الذي لم تعد تراه وأصبح اجتماعهما معاً مستحيلاً.
حاول شريف التعويض عن حزن زوجته بسبب تأخر الحمل بأن يقضي معها وقتاً أكثر في الخارج بين هذا المكان أو ذاك ولكن رؤيتها لأي أم تمسك بيد طفلها كانت تبدد محاولاته بلحظة مهما كانت مثمرة.
استقر باسل فترة وجود بوسي في منزل والده ولم يعد يسافر إلى المنتجع وترك الحمل على كتف شادي خوفاً من أي تصرف لبوسي قد يهدد ديما.
أصبحت الشركة تأخذ جل وقتها ؛ تتأخر بها إلى ساعة متأخرة وتبقى وحيدة بعد مغادرة الموظفون للشركة.
وفي أحد الأيام الذي طال بها الغياب للعمل على إحدى الملفات حدث ما لم يكن في الحسبان.
انكبت على ملف تحاول إنهاءه وقد تملك منها التعب وتيبس كتفها من كثرة الإنحناء ، نظرت للساعة بحنق فقد أصبحت التاسعة ليلاً ومازال أمامها بعض الوقت لإنهاء العمل المتبقي ، حثت نفسها على إنجازه الآن حتى لا تشعر بالكسل لاحقاً ويتراكم فوق عاتقها.
لاحظت ظل يسقط على الأوراق التي أمامها حاجباً عنها الرؤية بوضوح ، رفعت رأسها مقطبة لترى ذلك المتطفل.
صرخت بفزع: أنت ؟؟؟؟!!!


0 التعليقات:

إرسال تعليق