صبت ديما القهوة في الفنجانين ، قدمت أحدهما لمريم
ثم سحبت كرسياً وجلست في المطبخ المتسع.
ديما متعجبة: بقى تجيبكوا كدا من شهر العسل
عالفاضي ؟
ارتشفت مريم من فنجانها متذوقة: أه يا ستي
ديما: معلش يا مريم ، دي مهما كان أم ودا ابنها اللي
باقيلها
مريم: يعني شوفتيني قولت حاجه ، أنا حتى نمت
وسيبته ينام معاها
ديما: نام معاها إزاي يعني ؟
مريم: أصل وحشها إنه ينام في حضنها فأخدته إمبارح
ديما: هههههههههههه يا خبر
مريم: يا ستي ، خليها تطمن إنه لسه معاها وماحدش
أخده منها
ديما متذكرة: صحيح ، إزي أخوكي ومامتك ؟
مريم: كلمتهم إمبارح ، كويسين ، استقروا في
المنتجع وباسل مريحهم خالص ، ماما مرتاحة للجو وشكله خلى صحتها تتحسن ، ومحمد
مرتاح في الشغل جداً
ديما بحنان: أنا مش مصدقة إنك سامحتيه لحد دلوقتي
مريم بإبتسامة خفيفة: لما جه وقعد يترجاني أسامحه
وأغفرله ما قدرتش أقوله لا ، خصوصاً إن حالته كانت صعبة أوي بعد ما نعمات اتجوزت
واحد تاني ومش أي حد دا المعلم حسونه
ديما: ربنا هيعوضه خير إن شاء الله
مريم: إن شاء الله
ثم أضافت بحماس: بأقولك إيه يا ديدي ما تيجي نكلم
البنات ونتجمع سوا زي زمان ، ما تعرفيش وحشوني قد إيه
ديما: موافقة جداً ، إحنا ما اتجمعناش من يوم
جوازك.
مريم: خلاص كلميهم إنتي عقبال ما أكلم كريم أقوله
إني هاقعد شوية
ديما: أوكيه
مريم بحيرة: بس صحيح هنتجمع فين ؟ ، هنا ولا ف
الشقة القديمة ؟
ديما بحنق: ماينفعش الشقة القديمة ، باسل أخد مني
المفاتيح عشان ما أروحش هناك لوحدي ، قلقان ليكون أستاذ نعيم بيراقبني ولا بيراقب
الشقة ويستغل الفرصة.
مريم: أه ، دا حتى كريم أخد من ماما المفتاح
وقالها إنه هيرجعه لصحابه ، تقريباً إداه لباسل
ديما متنهدة: خلاص مش مهم ، أصلاً بابا مراد خرج
ومش هيرجع غير بليل إنهارده عشان بيقابل صحابه في النادي.
----------------
جلست وحيدة في غرفتها بل في المنزل بأكمله ، لقد
اتجه الأولاد إلى مدرستهم وعلي رافق نادية إلى عملهما.
أصبح المنزل خاوياً إلا منها ، لقد قررت عدم
الذهاب إلى العمل هذا اليوم مهابة حدوث نقاش حاد بينها وبين علي يحضره الأولاد
كالليلة الماضية فيؤثر سلباً على نفسيتهم ، كذلك قررت المكوث وحيدة لتفكر بهدوء
ورويه.
أعادت في رأسها كل لحظة مرت بها مع علي منذ أن
رأته لأول مرة تلتها بنصائح الفتيات لها ثم جاء أخيراً حديث والدتها.
اخفضت رأسها بتعب فوقع نظرها على بطنها ، تذكرت
ذلك الطفل الثالث الذي ينمو في طريقه إلى الحياة ، سيشعر بالفزع كلما صرخ والده
عليها أو رفع كفه ليضربها ، ستترقرق عينه بالدمع لقلة حيلته فلن يستطيع الدفاع عن
أمه.
لقد قبلت إذلال نفسي له معتقدة أن مصلحة أولادي في
العيش برفقة والدهم لكن بعد ما حدث أمس ، أدركت خطأي ، لقد خسرت كرامتي وراحة
أولادي النفسية كذلك.
أمسكت بالهاتف الذي يرن منذ بضع دقائق: السلام
عليكم
تنهيدة راحة قوية من المتحدث: وعليكم السلام ،
بقالي نص ساعة باتصل بيكي ، فينك ؟؟ خوفتيني عليكي !!!
رنا بسخرية: هأموت مثلاً
صاحت بها ديما بفزع: إخص عليكي يا رنا ليه بتقولي
كدا
رنا: المهم في حاجه ؟
ديما: مريم رجعت من شهر العسل وكنا عايزين نتجمع
رنا: إمتى ؟
ديما: دلوقتي لو فاضية ، أنا ما روحتش الشركة لما
مريم كلمتني وقالت إنها رجعت ، بس إنتي ممكن تيجي بعد الشغل
رنا: بس أنا ما روحتش الشركة إنهارده ؟
سألتها بقلق: مالك يا رنا ؟ فيكي إيه إنهارده ؟
وكمان ما روحتيش الشركة ليه ؟
رنا بصوت ضعيفة: مافيش ، بس مش هأقدر أجي معلش
ديما بعصبية: بت انطقي قولي مالك وبلاش الكلام
اللي مالوش داعي دا
انفجرت رنا في البكاء: علي ضربني بالقلم إمبارح
صرخت ديما: إيـــــــــــــه ؟؟؟!
--------------
ألقى قلمه مصطدماً بسطح المكتب ، منذ أتى في
الصباح وهو لا يستطيع التركيز على عمله ، يفكر فيما حدث أمس ، نظرتها المليئة
بالكره لم تغادر باله أبداً ، هل أصبحت تكرهه حقاً أم مجرد شعور وليد اللحظة ؟ ،
في كلتا الحالتين ليس من السهل عليه تقبل كرهها له ، أي أحد أي شخص لا يهمه إذا
كرهه أم أحبه ولكن رنا لا ، فهي حب عمره.
قطب حاجبيه ، حب عمري ؟؟ ، لماذا تزوجت غيرها إذاً
، لا لا كان يجب أن تفيق من غفلتها ، لكنها طريقة قاسية لفعل ذلك ، أأأه يكاد رأسي
ينفجر من التفكير و .... القلق.
اعتدل في جلسته متحدثاً بصوت عالي كأن الفكرة لم
تخطر على باله قبلاً: هي ممكن تسبني ؟ ... لا لا ، رنا بتحبني ... إذا كانت ما
سابتنيش لما اتجوزت عليها ... هتسبني عشان خناقة صغيرة ؟
ابتسم واثقاً من نفسه وبدأ يعمل بتركيز أكبر بعد
أن طمأنه غروره على حب رنا الشديد له.
---------------
لم تكد تجلس حتى ألقت رنا بجسدها في أحضانها باكية
بشدة ، ظلت تبكي وتبكي كطفل صغير عاقبوه على جرم لم يفعله.
أسرعت مريم تحضر لها كأساً من الماء بينما ديما
تضمها فقط في صمت.
إلتفوا جميعاً حولها بعد حوالي الساعة ، كانت
خلالها قد أخرجت ما بداخلها من بكاء وتحولت لصمت تام ، تنظر لنقطة وهمية في شرود
غير عابئة بالحديث الدائر بينهن.
هدى بقلق: أنا لما ديما كلمتني وقالتلي هنتجمع
عندك في البيت هنا أنا قلقت وجيت جري.
ماري: اسكتي أنا قلبي وقع
ميرنا بإنفعال: إزاي يمد إيده عليها ويضربها !
حركت مريم كفها في الهواء أمام وجه رنا: رنا يا
رنا
ديما بإضطراب: رنا إنتي كويسة ؟
تبادلن النظرات في صمت يشوبه القلق الشديد.
ماري في محاولة أخيرة: رنا إنتي تعبانة نجبلك
دكتور ؟
نطقت رنا أخيراً بدون أن تحرك عينيها قائلة بهدوء
شديد: أنا حامل
عضت ماري على شفتيها ، تراجعت مريم في مجلسها بسعادة
مستغربة ، ابتسمت هدى حبوراً بالخبر ، شهقت ديما بينما ميرنا نظرت إلى رنا في صمت
كأنها تمثال صنع من صخر.
لم تمهلهم الفرصة لكي يفيقوا من الصدمة الأولى حتى
نزلت عليهم بالضربة القاضية كلاعبين المصارعة الحرة: وقررت أنزله.
هبت ماري صارخة بها: لا لا لا ، كل إلا كدا يا رنا
، إنتي متخيلة نتيجة اللي هتعمليه ؟؟؟ ، في ناس بتتمنى ضفر عيل بس وهتموت نفسها
عليه وإنتي ربنا أدهولك وعايزة تموتيه ؟؟
نظر لها الجميع بتعجب ، ولم تلحظ هي نظراتهم فقد
أغشت الدموع عينيها.
مريم: بلاش تعملي كدا ، طب هو ذنبه إيه ف اللي
حصل؟
أثارتها جملت مريم الأخيرة فنهضت صارخة بهن جميع ،
توزع نظراتها وكلماتها بينهن بالتساوي: أيوه ذنبه إيه ؟؟ ذنبه إيه يجي عالدنيا
ويلاقي فيه واحدة تانية بتشارك مامته في أبوه ؟؟! ولما يسألني هو ليه إتجوزها هأقوله
إيه ؟؟ ، أقوله أصل أبوك بيتحجج ولا لإنه كان نفسه ف بنت ، ولا لما يشوفه بيضربني
وما يقدرش يدافع عني هأبص ف وشه إزاي ؟ , لما يشوف كرامة مامته بتتهان بدل المرة
ألف مرة ، تفتكري ولد اتربى في بيئة زي دي هيطلع إزاي ؟ شخصيته عامله إزاي ؟ ، يا
ترى مكسور ولا ضعيف ولا حزين ولا كلهم ؟؟؟
انهارت جالسة وأردفت: مش كفاية عليا إتنين ف
العذاب دا ومش عارفة أعمل معاهم إيه ، كمان عايزني أجيب التالت!!
أخفت وجهها بين كفيها باكية ، اقتربت منها هدى
مهدئة والجميع يشاركها حزنها ، فكم من المؤلم أن ترى من يهمك أمره وعزيز على قلبك
في هذه الحالة من الحزن وليس بيدك ما تقدر على تقديمه ، لا تملك سوى الشعور
بالعجز.
ما لم يكن يعرفه أحد منهن ، ذلك الزائر الذي أنزل
اصبعه قبل أن يدق الجرس عند سماعه لصراخ رنا ، هبطت دموعه مرغمة أهي تتعذب لهذه
الدرجة ؟؟ ، كلا ؛ لن يتحمل الوقوف مكتوف الأيدي.
اتجهت مريم لترى من الطارق بينما أنزلت هدى نقابها
خوفاً من أن يكون علي ، توجه بكلامه إلى رنا وقال بلهجة صارمة لا تقبل النقاش:
ادخلي لمي حاجاتك وحاجات الأولاد دلوقتي !
سألته رنا بهدوء: هنروح فين يا بابا ؟
الأب بحزم: هتيجوا تقعدوا معايا ، دا إنسان ما
يستاهلكيش ، أصلاً دي غلطتي من الأول إني سمحتله ياخدك.
نهضت رنا قائلة بخضوع: نص ساعة وأكون جاهزة ، بس
الأولاد؟
الأب: هنعدي عليهم وإحنا مروحين ناخدهم ف سكتنا ،
أه ... وإنسي حكاية الإجهاض دي
لم تجبه رنا واتجهت تحزم أغراضها ، لحقت الفتيات
بها في صمت لم تستطع أياً منهن النطق أمام صرامة والدها.
--------------
أظلمت الدنيا أمامها وسمعت من يهمس بأذنها: أنا
مين ؟
أجابته مازحة: أنت الملامين
أزاح يده وجلس على الطاولة الصغيرة أمامها
بالصالون وقال بغيظ: إيه الخفة دي يا بت ؟
مريم بغرور: طول عمري
غمزها قائلاً: كنتي بتفكري فيا صح ؟
أجابته بكبرياء: هو مافيش غيرك ف حياتي عشان أفكر
فيه ؟
قطب جبينه: ومين تاني ممكن يشغلك غيري؟
مريم: ماما ، محمد أخويا ، صحابي ، مامتك مثلاً
سألها كريم متذكراً: هي صحيح راحت فين ؟
هزت رأسها: راحت لجارتكم اللي تحت يرغوا شوية
ابتسم بحرج: معلش ، سيبتك إمبارح ونمت معاها بس
...
قاطعته باسمة بهدوء: مش محتاج تبرر ، دي مامتك
وليها فيك أكتر مني ، وأنا ما زعلتش
ثم أضافت مغيظة: أصلاً نمت مرتاحة ، دا صوت شخيرك
كان بيطير من عيوني النوم
جذبها متجهاً إلى حجرتهما وقال بمكر مستحب على
قلبها: طب تعالي بقى أديكي وصلة شخير تكفيكي من هنا للسنة الجاية.
---------------
دخل المنزل برفقة نادية بعد يوم عمل طويل ومتعب ،
وجد الصمت يعم المنزل ، إلتفت إلى نادية متسائلاً: هو مافيش صوت ليه ؟
أجابته: وأنا هأعرف منين ؟ ، ما أنا لسه جاية معاك
أهو
رفع حاجبيه بإستغراب فحتى أثناء نوم الأولاد يكون
هناك صوت ، حتى الأضواء مطفئة ، لاحظ ورقة موضوعة فوق التلفاز ، فضها ليجد بداخلها
الآتي:
" بنتي وولادك
عندي ، ابقى كلمني عشان ننهي الوضع دا.
حماك مؤقتاً يا
أستاذ "
قبض على الورقة بشدة ثم ألقاها بعيداً في غضب ،
اقتربت منه نادية بخوف: في إيه ؟
دفعها عن طريقه وغادر المنزل دون كلمة ، بحثت عن
الورقة التي ألقاها وأعادتها لما كانت عليها لتقرأها.
--------------
جلست في عيادة لطبيب نسائية في أنتظار دورها ،
تطلعت حولها في ملل تشغل بالها عن التفكير فيما قررت فعله ، لقد تحججت لوالدها بأن
لديها عملاً هاماً تريد القيام به وطلبت منه اصطحاب الأولاد من المدرسة ثم اتجهت
إلى هنا.
وقع نظرها على إمرأة تبدو في شهرها السابع تبتسم
في سعادة وزوجها يجلس إلى جوارها متحسساً بطنها المنتفخ وأخرى تمتلئ عيناها بالحزن
وتنظر إلى الأولى بحسرة.
فكرت رنا: إن تلك المرأة تتألم بشدة ، تتمنى طفلاً
واحداً فقط يشبع غريزة الأمومة لديها وأخرى مثلي تريد أن تتخلص منه ، إنها الدنيا
الظالمة.
أفاقت على صوت الممرضة تدعوها للدخول ، دلفت فنهض
الطبيب مرحباً بسعادة: أهلاً يا مدام رنا ، أنا مصدقتش نفسي لما الممرضة جابتلي
الكشف ، بقالي زمن ما شوفتش حضرتك
أومأت رنا جالسة بإبتسامة صغيرة: من 6 سنين
تقريباً
سألها الطبيب: أه من ساعة الولادة ، بس أوعي تكوني
تابعتي عند دكتور غيري
رنا: لا ، ماكانش في غير كرم وأمجد لحد فترة قريبة
نظر لها الطبيب بسعادة: يظهر إنه في حاجه في
الطريق
- أيوه ، وعشان كدا جيت لحضرتك
- طبعاً طبعاً ما أنا لازم أتابع حملك
- لا مش بالظبط ... بس حضرتك هتنزلي حملي
هتف بدهشة: إيه ؟؟؟
- عايزة أجهض الجنين
استفسر وقد استعاد هدوءه: طب ممكن اسألك إيه
السبب؟
أجابته بصرامة: مش عايزة ولاد تاني
تنهد بعمق: بس أنا ما بأعملش عمليات إجهاض غير في
حالات خاصة ، يعني لازم يكون الحمل بيهدد حياة الأم عشان أعمل حاجه زي كدا
أمسكت حقيبتها: طب عن إذنك يا دكتور
أوقفها الطبيب قائلاً: " ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق " اديني سبب واحد مقنع يخليني انزله وأنا اعملها.
نظرت أرضاً قبل أن تنصرف في صمت.
0 التعليقات:
إرسال تعليق