(4)


دلفت من البوابة الرئيسية للشركة الخاصة بها أخيراً وبعد طول غياب ، نهضت ميرنا وماري من خلف مكتب الإستقبال ينظرون إليها بإستغراب حتى وقفت أمامهما وخلعت نظارتها الشمسية كي تلقي تحية الصباح باسمة ، كانت ميرنا أول من سيطرت على نفسها وقالت: إيه دا ؟ ... إنتي جيتي الشركة ؟
ضحكت ديما مجيبة: لا لسه ما جتش
قالت ميرنا بضيق: بلاش تريقه ... مش إنتي اللي قولتي مش هأجي الشركة دي تاني ؟
ماري: خلاص يا ميرنا ...دي شركتها تيجي وقت ما تحب ... الشركة نورت بوجودك يا ديما
اتجهت ديما للمصعد بعد أن قالت: هاشرحلكوا كل حاجه بعدين أنا ورايا حاجات كتير ... أشوفكوا بعدين يا بنات
              بعد انصرافها نظرت ميرنا إلى صديقتها قائلة: بزمتك إنتي فاهمه حاجه ؟
أجابتها ماري بهزه من رأسها تعني النفي.
وضعت ميرنا يدها فوق رأسها: يا مثبت العقل والدين يا رب
ماري: يلا نرجع نشتغل ... أهو حاجه فاهمينها وخلاص
ميرنا: على رأيك.
--------------------------
       -ما تعرفوش يا بنات أنا باستنى الوقت اللي بنتجمع فيه كل أسبوع دا إزاي ... دا بقى زي الإدمان عندي !
تنهدت ماري قائلة: ومين سمعك يا رنوش ... بجد أحلى حاجه في حياتي هو أنتوا
ابتسمت مريم: ربنا يخلينا لبعض ونفضل على طول سوا
ميرنا بضيق: ممكن بقى نبطل نحب في بعض والأستاذة ديما تحكيلنا اللي حصل وخلاها تغير رأيها في حكاية الرجوع للشركة دي ؟
قالت هدى بدهشة: إيه دا ؟ هو إنتي رجعتي للشركة بتاعتك يا ديما ؟
ميرنا بفروغ صبر: أيوه رجعت ... إنتي قولتي لما نتجمع هتقوليلنا كل حاجه اتفضلي كلنا سامعينك أهو !
تنهدت ديما قبل أن تبدأ بالتوضيح: الأستاذ نعيم محامي بابا -الله يرحمه- جه وشرحلي الوضع في الشركة وإنه لازم أرجع ، دا غير إنه كان معاكوا حق في حكاية إني وقفت حياتي وخلاص أنا قررت ... أنا مش هأهرب تاني
سفقت ميرنا بسعادة: ييييس ... كدا تعجبيني يا ديدي
ماري: طب وهترجعي الفيلا زي ما رجعتي الشركة ؟
هزت رأسها نفياً: لا أنا رجعت الشركة وكل الشغل طبعاً بس عشان الناس اللي بيشتغلوا فيهم ما يتأذوش لو حصل إفلاس وكمان عشان ما أضيعش تعب بابا -الله يرحمه- ... وبعدين أنا مرتاحة هنا مع مريم ومش هأسيبها لوحدها.
مريم: ربنا يخليكي ليا ... بس لو عايزة تروحي بيتك روحي أنا ما يرضينيش إنك تسيبي بيتك عشاني وما تخافيش عليا
ديما: لا طبعاً إنتي بتقولي إيه ؟ ... وبعدين البيت دا شرك بيني وبينك أنا بأدفع نص الإيجار وإنتي كمان ... دا غير إني اتعودت على هنا خلاص ومش وقت تغيير تاني ... أصلاً الموضوع كدا خلاص منتهي بالنسبالي
رنا : طب شدي حيلك بقى شغل الشركات والناس الأغنيا دا صعب ومتعب جداً
أجابتها بإرهاق: إنتي هتقوليلي ؟ ... دا أنا من أول يوم وخلاص حاسه إنه ما بقاش فيا حيل أروح للسرير حتى ... دا أنا بعد ما وصلت بربع ساعة لاقيت المكتب قدامي مليان ملفات عايزة تتدرس وورق يتمضي وحاجات كتيرة وقعدوا يشرحولي هأعمل إيه وأفهم الحاجات دي إزاي لحد ما دماغي ورمت خالص !
أشفقت عليها ماري: الله يكون في عونك يا بنتي أنا نفسي لما شوفت كمية الملفات دي اتصدمت كأنهم كان متخزنين عشان لما تيجي تطلع عينك فيهم وتقولي حقي برقبتي
شجعتها مريم: واحدة واحدة هتاخدي عالشغل وهيبقى الورق دا أقل بكتير ... معلش كل شئ في أوله صعب لكن بعد كدا كله بيهون لما تشوفي نجاحك بعينك وإنه تعبك دا كله ما اترماش عالأرض كدا وخلاص
أضافت هدى محفزة: دا غير إنه ثوابك عند ربنا هيبقى كبير كفاية إنه في نيتك مساعدة الناس الغلابه دول ... وربنا أكيد مش هيسيبك وهيفضل جنبك وهتحسي إنه تعبك دا مش بيضعفك بالعكس بيقويكي.
تنهدت ديما براحه مبتسمة: كلامكوا شجعني إني استمر بجد يا بنات ... يلا استعنى عالشقى بالله
وجهت مريم حديثها إلى ماري: وإنتي هتتجوزي إمتى بقى؟ لسه ما حددتوش معاد؟
ماري: لا لسه ... فاضل حاجات بسيطة في الشقة وتخلص وقتها هنبقى نحدد المعاد
لوت رنا شفتيها قائلة: مستعجلة على ايه ؟ يعني اللي إتجوزوا كانوا خدوا إيه من الجواز  ؟!
ضحكت هدى: يا بنتي هو مش جوزك دا كنتي واخداه عن حب؟ إيه اللي حصل بس ؟
أجابتها بضيق: حب ؟ الحب دا أخره شهر العسل يا حبيبتي وبعدين مشاكل الدنيا ومصروف البيت والشغل والعيال بيموتوا أجدعها حب
ميرنا: معاكي حق ... أصلاً كل قصص الحب اللي بنسمع عنها كلها قبل الجواز ... يعني عنتر وعبلة ، قيس وليلى ، روميو وجوليت كل دول قصة الحب بينهم كانت قبل الجواز ... إنما بعد الجواز بقى كان هيبقى اغسلي نضفي امسحي اكوي لمعي اكلي شربي فأحسن حل تنتهي على قبل الجواز على طول بلا وجع دماغ.
هزت ديما رأسها رافضة: لا أنا مش معاكي ... فيه ناس كتير بيفضلوا بعد الجواز بيحبوا بعض زي الأول إن ما كانش أكتر كمان
علقت ميرنا ساخرة: أه دول الواحد في المليون زي ما بيقولوا صح ؟
أجابتها هدى: لا يا ميرنا ... أغلب المخطوبين دلوقتي إن ما كانش قبل ما يتقدملها كمان ... بيعملوا حاجات كتير غلط ... حاجات مش مسموح يعملوها قبل الجواز أو قبل كتب الكتاب حتى.
سألتها ماري مستغربة: زي إيه مثلاً ؟
تابعت هدى: زي مثلاً إنه يمسك إيدها يقولها كلام عاطفي زي حياتي وعمري وروحي وقلبي ... قال الإمام الشافعي : كلما تعلقت بشخص تعلقاً ... أذاقك الله مر التعلق لتعلم أن الله يغار على قلب تعلق بغيره فيصدك عن ذاك ليردك إليه 
قاطعتها مريم قائلة بحسرة: دا فيه بنات بتسمح له كمان يحضنها ويبوسها عادي ... إن ما كانش أكتر !
غمغمت ماري وقد شردت قليلاً: وهو دا ما ينفعش؟
أجابتها هدى: طبعاً ما ينفعش ... وبعدين لما هو يعمل كل دا في الخطوبة بعد الجواز هيعمل إيه ؟ ... هيقول إيه ؟ ... خلاص كل الكلام اتقال وكل الأعمال اتعملت فين الجديد ؟
ديما : وبالتالي تحصل حالة ملل وفتور بينهم
أومأت هدى موافقة: بالظبط ... دا غير كمان إنه ربنا بيبقى مش راضي عنهم فتلاقي مشاكل وخناق باستمرار ممكن في مرة تسبب طلاق حتى لو كانت مشكله تافهة وتتحل بكلمة.
رنا: ما هو لو الطرفين فعلاً بيعرفوا ربنا صح وبيتبعوا أوامره وبيبعدوا عن المعاصي واللي نهاهم عنه ... ما كانش حصل بينهم كدا من الأول وكان كل واحد احترم إنه غريب على التاني لسه وإنه فيه حاجات ما تصحش تتعمل
ديما: بالظبط ... غياب الوعي الديني بقى منتشر جداً دلوقتي
مريم: أيوه ... أخرهم الخمره حرام يبقى مش هشرب والحجاب فرض يبقى هألبسه وخلاص حتى لو لبسته على هدوم مش مناسبة لوقار الحجاب وعفته.
هدى: بقينا بناخد الأمور بسطحية ... ناخد راس الموضوع ونسيب التفاصيل اللي في الغالب بتكون مهمة جداً.
قالت ماري بحزن: بس أنا ما كنتش أعرف إنه غلط
نظرت لها ميرنا بتمعن: هو فيه حاجه حصلت بينكوا ولا إيه؟
نفت ماري مسرعة: لا لا أخره يمسك إيدي وساعات يبوسني على راسي مش أكتر.
هدى: بصي يا ماري ربنا بيحبنا أوي عشان كدا بيخاف علينا جداً حتى من نفسنا الأماره بالسوء ... فأكيد مش هيقولك ما تعمليش حاجه وهي فيها منفعة ليكي ... لازم هتكون بتضرك أو الضرر اللي من وراها أكبر من منفعتها ... يعني فكري في واحد خطب واحدة وأخره معاها الكلام العام زي عامله إيه ؟ أخبار شغلك حياتك عيلتك كدا ومش عارف ينول منها حتى كلمة وحشتني وواحد تاني بيقولها كل اللي نفسها تسمعه وكلام حب يدوب القلب وواخد راحته معاها عالأخر ... في رأيك مين فيهم هيكون ملهوف عالجواز أكتر وإنه يكون معاها ؟ ... اللي ريقه عمره ما اتبل بكلمة رومانسية ولا اللي وقت ما يطلب أو ما يطلبش بيسمعه ؟
أجابتها ماري: أكيد الأولاني عشان عنده شوق يسمع منها الكلام دا
سادت لاحظات من الصمت تستوعب بها ماري ما قيل قبل أن تقطعه قائلة: يعني ممكن عشان كدا لحد دلوقتي ما خلصش الشقة وكل الحاجات اللي ناقصه ومتعطل جوازنا عشان كدا ؟
سألتها مريم: أنتوا بقالكوا قد إيه مخطوبين ؟
أجابتها: 4 سنين
ديما: أنتوا ناقصكوا حاجات كتير يعني ؟
ماري: لا كماليات يعني ... و حاجات بسيطة بس هو مش عايزنا نتجوز غير لما كل حاجه تكون جاهزة عشان ما يكسلش بعد الجواز إنه يجيبها
رنا: وإنتي شايفاه مستعجل وبيحاول ينجز ولا بيتلكع ؟
صمتت ماري لا تعلم بما تجيب فهو فعلا لا يتعجل الزواج منها بل يختلق الأسباب لتأجيل الزواج ، نهضت هدى من مقعدها وجلست بجوار ماري ، وضعت يدها على كتفها مبتسمة: بالرغم من إختلاف الدين إلا إن كل الرجاله زي بعض تقريباً جربي تمنعي عنه الحاجات اللي كان بيعملها معاكي واللي قولنا عليها إنها غلط وشوفي رد فعله هيبقى إيه ... هتلاقيه عايز يتجوزك إنهارده قبل بكره ومش عارف يعملك إيه ولا إيه عشان ترضي عليه ... هما كدا بيحبوا الحاجه العزيزة اللي صعب يوصلولها عشان لما يفوزوا بيها بيبقالها طعم تاني ألذ وأحلى بكتير زي الجنة بالظبط هتتعبي كتير وهتحرمي نفسك من حاجات أكتر بس في سبيل حاجه أحسن بكتير وهيبقالها طعم حلو أوووي لما تنوليها ... عشان كدا طريقها صعب
ابتسمت ماري بحزن: بس ما أنا عودته على كدا لما ابطل فجأة هيقول ايه؟ ... يمكن يفتكر إني بطلت أحبه أو مش عايزاه
أسرعت ميرنا ناهره: لا يا هبلة بالعكس ... هيتجنن ويفكر إيه اللي غيرها فجأه كدا وهيخاف تسيبيه في أي لحظه فيستعجل أكتر وهتشغلي باله أكتر
مريم: وبالنسبة للسبب إبقي قوليله إحنا خلاص قربنا نتجوز فأصبر بقى لما يحصل ... أو حتى قوليله إنك عرفتي إنه اللي بتعمليه دا غلط وقررتي ما تعمليوهش تاني ... الإنسان بيفضل يتعلم طول عمره
ديما: اعملي بالكلام دا لو إنتي اقتنعتي بيه وإنسي اللي فات وابدأي معاه صفحة جديدة بينك وبين نفسك من غير ما يعرف هتلاقيه رجع معاكي زي الأول ويمكن أحسن
أومأت ماري موافقة وقد عقدت النية جدياً بتغير طريقة تعاملها مع شريف حتى يصبح زوجها فلقد اقتنعت بكلام صديقاتها وبصواب رأيهن ، عدا عن تأكدها من حبهن لها ولن يتسببن لها بأي ضرر ... فهن صديقات العمر .



0 التعليقات:

إرسال تعليق