(2)

اقتربت إمرأة في الخمسينات من عمرها لتجلس في المقعد 

المجاور لإبنها الذي على مشارف الأربعين تحمل ملامحه الكثير 

من القسوة والجبروت ، كان مندمجاً في مشاهدة التلفاز ، ترددت 

كثيراً قبل أن تفتح معه الحديث ، فكيف تبدأ وماذا تقول ؟


شعرت ببعض التراجع يساورها ولكنها حسمت أمرها في النهاية 

قائلة: محمد

أجابها دون أن يزيح عينيه عن التلفاز: يا نعم ؟
بلعت ريقها بصعوبه قبل أن تقول: ما عرفتش حاجه عن مريم ولا سألت عليها ؟
بمجرد ذكرها لاسم مريم توقف عن متابعة التلفاز وإلتفت إليها قائلاً بغضب: أنا مش عايز اسمع سيرتها ولا تجيبي اسمها على لسانك مفهوم؟
تنهدت المرأة بحرقة: بس يا ابني دي مهما كان أختك ولحمك ودمك ما ينفعش تفضل مش عارف عنها حاجه كدا !
نهض صارخاً بقوة: أختي ؟ ... دي ولا أختي ولا أعرفها شوفي تربيتك الأول وبعدين تعالي حاسبيني ... تلاقيها هربت مع واحد تعرفه ولا حاجه وما قالتلناش عنه ... دي بقالها سنتين هربانه وما فكرتش تتصل تطمنك عليها
نظرت له نظرة ذات معنى: وهربت ليه؟ ... مش من معاملتك اللي زي الزفت ! ... ضرب عالطالعة والنازلة وكلها حاجات تافهة زي ما تكون مستقصدها والبت غلبانة ما كانتش بتتكلم بس أنت زودتها لما رفضت العريس اللي اتقدملها كان ابن حلال وهي كانت موافقة عليه وعلى ظروفه
أجابها: وإنتي كنتي عايزاني أرميها الرامية دي ؟ دا كان واحد على قده ، دا حتى ما عندوش شقة وكان هيعيشها مع أمه ! وبعد ما تتجوز تيجي تعيطلنا إنها مش عارفة تعيش مع حماتها ولا يطلقها وترجع في حجرنا تاني !
واجهته والدته بغضب: ما أنت عايش أنت ومراتك معايا في بيتي إيه اللي جد يعني ؟ ولا عشان صاحب القهوة اللي كان حاطط عينه عليها وكنت عايز تجوزها له بالعافيه ؟
توتر محمد وقال بلجلجة: وماله المعلم حموده ؟ راجل وملوي هدومه وهيعيشها ولا الملوك عايزة إيه أكتر من كدا ؟
غضبت من مبرره فقالت: وإنه متجوز إتنين تانين ؟ وإنه عمره قد عمرها مرتين ؟ وإنه عنده 9 عيال ؟ ... أنت كل اللي كان هامك إنك تسد ديونك ليه مش أكتر لكن لا أختك ولا حد كان فارق معاك !
صاح بوجهها غاضباً: ما كفاية بقى مدافعة عن المحروسة تلاقيها دلوقتي في حضن حبيب القلب وبعد ما ياخد اللي هو عايزه ويزهق منها هيرميها وهتيجي هنا برجلها تبوس الأيادي عشان ترجع وأنا مش هأوافق بردو ساعتها !
بكت الام بشدة قبل أن تقول: هي مش معاه! .. يا ريتها كانت معاه كنت ارتحت ! ... لكن هو وأمه حلفولي ع المصحف إنهم ما شافوهاش من ساعة لما جه اتقدم وأنت رفضته ... وهو سافر دلوقتي عشان شغله ... وأنا هأتجنن وأعرف هي فين ولا جرالها إيه ... يا ترى عايشة ولا ميتة ؟ شبعانة ولا جعانة ؟ لوحدها ولا معاها حد ؟
جلس ناظراً لها بتمعن: يعني هي مش معاه ؟
أجابته: لا مش معاه ولا يعرف عنها حاجه.
صمت قليلاً قبل أن يسألها: بيشتغل إيه وفين؟
-ربنا فتحها عليه ونقل شقة تانية أوسع وأحلى في مكان تاني شيك وعالنيل هو طول عمره مرزق أصلاً وشاطر ويستاهل كل خير ودلوقتي بقى مدير قد الدنيا وسافر عشان شغله.
-طب لو بيحبها زي ما بيقول ما دورش عليها ليه ؟
-يا حبة عيني فضل فترة يدور عليها كل يوم بس أجازته خلصت وكان معاد سفره جه بس هو قالي إنه هيفضل يدور عليها لحد ما يلاقيها وهيقولي على مكانها أو هيخليها تجيلي.
عاد إهتمامه إلى التلفاز وأمسك بجهاز التحكم ، بدأ يقلب القنوات وهو يقول بلا مبالاة: خلاص أهو هيجبهالك لزمته إيه الزن دا بقى ؟
رفعت نظرها إليه بتعجب: يعني الغريب خايف عليها وأنت أخوها ولا فارق معاك ؟
قال لا مبالياً: والله أنا ما ضربتهاش على إيدها وطردتها بره البيت هي اللي خرجت لوحدها يبقى هي حرة ، وبعدين عقلها في راسها تعرف خلاصها.
نهضت الأم وهي تلقي على ابنها نظرة غاضبة: حسبي الله ونعم الوكيل فيك ... ربنا قادر ياخد حقها منك ومن كل اللي ظلمها ، حتى أنا وقفت ساكتة وأدي أخرتها ... ربنا الهادي !
تركت الغرفة بينما ظل جالساً ، لم يتأثر بكلمة واحدة من والدته فهذا حال من تحجر قلبه ونسي ربه.
-------------------
أنتهت من وضع أخر صحن على الطاولة ، وابتعدت عنها عدة خطوات قبل أن تقول بصوت عالي: كده تمام صح ؟ مش ناقص حاجه ؟
خرجت مريم من المطبخ ضاحكة: يا بنتي دول البنات ! مش العريس دول لو حطيتي الأكل بالحلل من غير أطباق هينسفوه بردو هي عادتهم ولا هيشتروها ؟
عند تلك الكلمة دق جرس الباب معلناً وصولهم فأشارت مريم جهة الباب: أهو جيبنا في سيرة القط ... افتحي إنتي عقبال ما أغسل إيدي وأجي.
دخلت الفتيات وكل واحدة تصرخ بوجه الأخرى : وحشتيني
قالت ماري واضعة يدها على معدتها: أنا جعانة خلوا السلامات بعدين بقى
ميرنا ضاحكة: يا بنتي إنتي مش لسه واكله سندوتش أخدتيه من شريف في الطريق غصب وافترى ؟؟
هدى وقد رفعت النقاب: ههههههه دا هيتجوز مجاعة الله يكون في العون
أتت مريم لتسمع أخر جملة فقالت مبتسمة: أكيد بتتكلموا عن ماري
ماري بحزن مفتعل: هو أنا معروفة أوي كدا ؟
وضعت ديما يدها على كتف ماري: يا بنتي إنتي بقيتي ماركة مسجلة مش بعيد تلاقينا بنقولك ماري مجاعة.
قهقهت ميرنا قائلة: والله فكره اسم تحفة ولايق عليها جداً.
قاطعتهم مريم مستفسرة: أومال رنا فين ؟
هزت ميرنا كتفيها: كالعادة أخر واحدة تيجي مع إنها الوحيدة اللي مش بتشتغل.
ضحكت ماري قائلة: بس الوحيدة المتجوزة فينا
غمزتها ديما قائلة: ما خلاص كلها كام شهر وتحصليها
ميرنا: هههههههههه يا بنتي أنا حاسه إنه شريف هيفلس قبل ما يلحق يفرش الشقة من كتر الفلوس اللي بيصرفها على أكلها.
مريم: بجد أنا زعلانه من رنا عشان نبهت عليها أكتر واحدة إنها ما تتأخرش عشان هي بتحب تمشي بدري ومافيش فايدة فيها
هدى : معلش يا مريم ما إنتي عارفة أمجد و كرم الإتنين بيجننوها ومش بتعرف تخلص منهم غير بالعافية ، حاجات كدا عندها 6 سنين بس مفتريين.
مريم: صدقيني يا هدى أنا عذراها
دق الجرس ، اتجهت مريم لتفتح فأسرعت الفتاة القادمة تقول من وسط أنفاسها اللاهثه: والله غصب عني كنت خلاص نازله لاقيت كرم الكوباية وقعت منه عـالارض واتكسرت خوفت يتعوروا وهما بيلعبوا ولا حاجه فاضطريت أنضف مكانها وجيت جري والله
مريم: خلاص خلاص الحمدلله جت سليمة خدي نفسك بس الأول
ماري بفزع: إحنا لسه هنتستنى؟ أنا هاروح أكل وخدوا أنتوا نفسكوا براحتكوا بقى !
نهضت متجهة إلى السفرة وسحبت كرسياً مباشرة في تناول الطعام فلحقوا بها بسرعة.
ميرنا: يلا يدوب نلحق ندوق الأكل يا جماعة
الجميع: ههههههههههههه
ديما: مالك يا هدى؟ ... وشك مقلوب يعني
رنا بشفقة: هي مامتك كلمتك في الموضوع إياه دا تاني؟
تنهدت هدى : هي وراها غيره؟
مريم: فيه جملة قريتها قبل كدا بتقول " لا توجد إمرأة عانس ... ولكن توجد إمرأة منع الله عنها شر زواج غير مناسب "
رنا: الله على حكمك يا مريومة
ماري: وعلى فكرة عادي فيه بنات كتير بيقعدوا من غير جواز ويجوا على أخر لحظة ويتجوزوا
هدى مكملة: وبنات عمرهم ما بيتجوزوا بردو
مريم مستغربة: إنتي عايزه تتجوزي؟ أنا إفتكرتك مضايقة عشان إنتي مش عايزة ومامتك بتجبرك !
هدى بقناعة: أنا راضية باللي ربنا كاتبهولي بس بردو ماما صعبانة عليا ، ليها حق نفسها تطمن عليا ... بس حكاية النقاب دي مجنناها
ميرنا: بصراحة يا هدى مع إني مش بأتفق مع مامتك خالص ولا عاجبني اللي بتعمله معاكي .. بس في حته النقاب دي أنا معاها مش عارفة إيه لزمته وتلبسيه ليه ؟ ... دا حتى الجو حر ، دا أنا وأهو بشعري وهأموت من الحر وإنتي لابسه النقاب؟ حرام عليكي نفسك يا بنتي !
لكزتها ماري في ذراعها: وإنتي مالك يا بنتي ... هي أدرى بمصلحتها ... لازم تحشري نفسك في كل حاجه كدا؟
ابتسمت هدى بهدوء: سيبيها يا ماري عادي أنا مش زعلانه منها بس أحب أقولك حاجه يا ميرنا ... إنه نار جهنم أفظع كتير من حر الدنيا وربنا هيجازيني على قد تعبي وتحملي.
       ابتسمت ديما: ربنا يقوي إيمانك
مريم مغيرة مجرى الحديث: وإنتي يا رنا عامله إيه مع علي؟
تنهدت رنا بحزن: بقالي فترة مش بأشوفه زي الأول على طول مشغول ينزل بدري ويرجع متأخر كل دا عشان فيه واحد طالب قرض بس رجل أعمال كبير وخايفين يسرقها ويهرب فعمال بقى يلف عشان يتأكد وما يشلش الذنب لو حصل حاجه
هدى: إن شاء الله خير .. فترة وهيرجع زي الأول
وجهت ميرنا حديثها إلى ديما قائلة بترقب: مش إنهارده شوفت خبر في المجلة عن باسل ؟
توترت ديما وسقطت الملعقة من يدها ، عم الصمت حتى قطعته قائلة بهدوء شديد لا يناسب إرتجاف يديها: خير
تابعت ميرنا بلا مبالاة: أبداً افتتح منتجع جديد في العين السخنة
ابتلعت ديما ريقها: ربنا يبارك له
عادت ميرنا للحديث قائلة: كان فيه صورة ليه مع مراته التانية وهي بتحضر معاه الإفتتاح تقريباً اسمها بوسي
نهضت ديما بعد أن قالت: ربنا يهنيهم ... أنا هاروح أعمل القهوة وأجي
نظرت هدى إلى ميرنا بلوم : إستني يا ديما خديني معاكي
بعد مغادرتهما ، إلتفت البقية إلى ميرنا بعتاب شديد.
رنا: هو على طول لسانك دا هيفضل متبري منك ؟
ماري: إنتي عارفة إنها حساسة في الموضوع دا بالذات ليه كدا ؟
استمعت ميرنا لحديثهم بصمت فقد علمت بمدى خطأها عندما لاحظت علامات الحزن تكسو وجه صديقتها ولكنها لن تدافع عن نفسها ولم تتفوه بكلمة ، فصمت الجميع بعد إدراكهم تفهمها لفداحة فعلتها.
جلسن جميعاً بعد أن أعدت كلاً من ديما وهدى القهوة ، بدأت ميرنا الحديث وهي تشعر بالخجل من نفسها قائلة: ربنا اللي يعلم أنا بأحبك قد إيه ومش بأقصد أزعلك ولا يرضيني زعلك واللي يزعلك سواء أنا أو غيري أكله بسناني ... بس أنا قولت كده عشان مصلحتك مش أكتر
نظرت لها ديما مندهشة: مصلحتي؟
تابعت ميرنا: أيوه مصلحتك ... كان لازم أوريكي اللي مدمرة حياتك عشانه عايش حياته 24 قيراط وإنتي اللي مهمومة لوحدك وهو ولا همه
هزت ديما رأسها نفياً: أنا مش مدمره حياتي ولا حاجه .. أنا باشتغل في شركة محترمة وليها اسمها وكمان عايشة في بيت مع صحبتي فين الدمار في حياتي بقى؟
نظرت لها رنا بقوة: لا اسمحيلي يا ديما لما تغيري حياتك 180 درجة وتسيبي بيتك وكمان شركاتك وفلوسك وكل حاجه وراكي عشان تبعدي عنه وما تحتكيش بيه بأي شكل وتحسسيهم إنهم أنتصروا عليكي وقدروا يغلبوكي يبقى فعلاً إنتي بتدمري حياتك !
اسرعت ميرنا: ديما لازم تفوقي وتشوفي حاجاتك دي ! يا هتروح منك وتعب باباكي هيترمي فالأرض!
نظرت لها ديما بدهشة: إنتي بتقولي إيه؟
اخرجت الجريدة من حقيبتها وناولتها إياها: أقري كدا ... هتلاقيهم بيقولوا إنه مجموعة شركات الفاروق القابضة هتعلن إفلاسها قريب عشان صاحبتها مش موجودة
تابعت ماري كلام ميرنا: شريف قالي إنهارده إنه فيه أزمه كبيرة ولازم ترجعي عشان تبدأ تتحل ... البنوك رافضة تدي أي قرض يمشي أي صفقة عشان إنتي مش موجودة ، البنوك خايفة على فلوسها لإنهم مش عارفين فين المالك اللي هيكون مسئول قدامهم.
هدى بفزع: يعني كدا هتخسري كل حاجه عشان واحد ما يستاهلش؟
شعرت رنا بالتشتت الذي تشعر به ديما فقالت ضاحكة: وإنتي يا ماري عرفتي تسمعي الكلام دا وسط الأكل اللي بتاكليه إزاي؟
ماري :ههههههه على فكرة أنتوا اللي ظلمني !
وتوالى الحديث بينهن جميعاً ، يتبادلون المزحات ويضحكون على مواقف بعضهن البعض ، بينما كانت ديما في عالم آخر تفكر في حياتها وماذا تفعل.
تركها أصدقائها تفكر ولا يحاولون إشراكها معهم في الحديث لتنعم بالسلام الذهني الذي تحتاجه وبشدة.





0 التعليقات:

إرسال تعليق