حثتها حنان العديد من المرات على الحديث مع أهلها لكن لا
تعلم لما هذه المرة بالذات التي أرادت حقاً فعلها.
استعارت هاتف حنان وخرجت إلى الشرفة تدق رقم المنزل الذي
تحفظه عن ظهر قلب لتجد شقيقتها تجيب: السلام عليكم
صمتت لم تعرف ماذا تقول، هربت منها الكلمات كما لم تفعل
من قبل، دائماً كان يوجد رداً حاضراً على طرف لسانها في أي ظرف لكن هذه المرة ...
أعادت: السلام عليكم
لم تملك سوى زفرة حارة اخترقت السماعة لتصل إلى أذن
أختها ثم قلبها تُنبأها بهوية المتحدث الصامت: حياه ؟
بكت بعد أن ظنت أنه لم يعد هناك سبباً للبكاء، وأي سبب
أقوى من الإشتياق، الإشتياق لحضنٍ دافئ وصدرِ حنون يستوعب جميع مشاكلك وتنهداتك
المتألمة.
في اللحظة التي نطقت أختها باسمها علمت مقدار شوقها لهم،
تريد التحليق الآن والذهاب إليهم حتى ولو سجنوها أو حتى قتلوها .. يكفيها رؤيتهم
ولو للمرة الأخيرة.
- إزيك يا حيـ..
فجأة اختفى صوت أختها الباكي من الشوق واستُبدل بصوت
شقيقها الأكبر محمود الهادر: إنتي ليكي عين تتكلمي تاني ؟؟ .. انسي إن ليكي عيلة
إنتي فاهمة ؟؟ .. إحنا اعتبرناكي موتي وياريت تعتبرينا كدا بردو .. كفايه اللي
عملتيه فينا بقى .. أبوكي وبقى عيان يخرج من أزمة يدخل ف التانية وأختك وقفتي
حالها .. مافيش حد هيرضى بواحدة أختها هربت مع عشيقها .. شوفي حياتك بعيد عننا بقى
.. إنتي خلاص فجرتي ومابقاش منك أمل.
اغلق الخط مانعاً توسلات شقيقتها من الوصول إلى أذنيها:
ليه كدا يا محمود حرام عليك
أشفق على منظر شقيقته المتعلقة بذراعه والراكعة أسفل
قدميه لكن الكبرياء في عائلة فاروق دائماً هو الغالب حتى أمام قلب يتمزق شوقاً
وعطفاً.
على الطرف الأخر زاد تدفق الدموع فوق وجنتيها لكنها هذه
المرة حسمت أمرها، لم يعد في بيت عائلتها من مكان، يجب أن تستمر في طريقها كما
خططت، أكثر ما حزنت عليه وضع والدها ووقوفها في طريق سعادة شقيقتها لكن لم يعد
بيدها حل ...
***
لم يتوقف اعتراض مي مي على عدم حضور حياه لتدريسها
مجدداً عند تحطيم بعض الأغراض والإنقطاع عن الطعام إنما وصل إلى حالة إنهيار عصبي
حاد.
تحدث إليهم الطبيب بحزم: إيه اللي حصل ضايقها لدرجة إنها
دخلت ف حالة إنهيار بالشكل دا ؟؟ .. سنها ما ينفعش فيه الكلام دا وكمان حالتها !
أجابته سمية وهي تنظر لحمزه بلوم: أصل المُدرسة بتاعتها
اعتذرت إنها تكمل معاها وهي اتعلقت بيها جداً
الطبيب بتفهم: بصوا يا جماعة هي انطوائية زي ما أنتوا
عارفين فالنسبه لأنها تلاقي حد تقدر تنسجم معاه فدا ف حد ذاته انجاز كبير .. أياً
كان السبب اللي خلى المُدرسة دي تمشي حاولوا ترجعوها عشان خاطر البنت
أومأ الجميع بتفهم، انصرف الطبيب بعد تأديته لواجبه
تاركاً الجميع يفكر في حل مناسب لتلك المعضله.
أحمد: مش هترضى ترجع غير لو روحت أنت تعتذرلها وتطلب
منها دا
نظر إليه حمزه مستنكراً فتابع: ما تبصليش كدا، أنت السبب
وأنت اللي هتحلها لكن لو عاجبك حال مي مي كدا ف دا موضوع تاني
جلست سمية إلى جوار الفتاة متناولة كفها الصغير بين
يديها تبكي حظ الطفلة؛ فهي تفقد من تحبهم دائماً.
***
فتح
الضوء لينير الغرفة فور دخوله إليها، وجدها تجلس في الظلام تنظر إلى الـ لا شئ،
ألقى مفاتيحه وهاتفه بالإضافة إلى محفظته على طاولة الزينة ثم اتجه يجلس جوارها،
متوقعاً شجاراً جديداً كما اعتاد لكن لدهشته.
سألته
بعد أن إلتفتت إليه بصوت أقرب للهمس: تعمل إيه لو أنا مُت يا فادي ؟
صدمه
السؤال بشدة، لو تشاجرت معه لكان أهون عليه مما يحسه الآن، لم يفكر يوماً أن الموت
قد يحرمه منها، إن مجرد طرح الفكرة يسبب له ألماً لا مثيل له، تمتم: بعد الشر ليه
بتقولي كدا ؟
هزت
كتفيها مدعية اللامبالاة: كلنا هنموت .. السؤال جه على بالي وحبيت اسأله
أضافت
وعينيها لا تتزحزح عن مراقبة عينيه: طب لو شكلي بقى وحش أو شعري وقع .. رفعت أو
تخنت زيادة لو الكل شافني وحشه .. هتفضل تحبني ؟
أجابها
بهدوء: أنا شايفك بعيوني أنا .. بعيون قلبي
ارتمت
بين أحضانه تبكي كما لم تبكي قبلاً، ضمها إليه خائفاً من فقدانها فعندما يطل شبح
الموت على الواجهة تتغير الأولويات وقد تتغير المفاهيم أيضاً كأن رهبة الفقد
الأبدي هي ما توقظنا من غفلتنا .. ننتبه عادة لقيمة أشخاص معينين في حياتنا عندما
نوشك أن نخسرهم الخسارة النهائية التي ليس منها رجعة.
***
ترجل
من سيارته بعدما صفها أمام المدرسة التي تعمل بها، شاهد الأطفال يتوافدون خارجين
منها في سعادة لإنتهاء يوم دراسي أخر، شاهد حياه تخرج لكن تمسك بيد طفلة وتصحبها
معها، شعر بالحيرة فكيف سيحادثها ومعها هذه الفتاة ؟، بعد لحظات وجد رجلاً يقترب
ويتحدث إليها ابتعدت الفتاة تسلم على أصدقائها قبل ذهابهم إلى منازلهم.
لم
يكن يعلم أن تلك الفتاة هي سمر وأن ذلك هو والدها، لقد تحدثت إليه حنان قبلاً عن
الطفلة ومعاملة زوجته الثانية لها، استمع إليها نادماً على ترك ابنته بين أبدي
امرأة لا تؤتمن، كذلك اكتشف أنانيتها الشديدة وأنها لا تهتم بسواها، طلقها وقرر
تكريس حياته لابنته حتى إشعار أخر.
جاءت
حنان حيث كانت حياه تقف بإنتظارها، ودعتا سمر وانصرفتا إلى المنزل مشياً، تبعهم
حمزه من بعيد وقد أثار حديثها مع ذلك الرجل حنقه.
لا
يدري لما انتظر في سيارته أسفل البناية رغم تأكده من صعود حياه إلى الأعلى برفقة
حنان لكنه حالما رأها تهبط من جديد محمله بعدة حقائب ثقيلة وممتلئة تتبعها مجدداً.
دخلت
إلى دار الأيتام المشتركة بها حنان لتنوب عنها هذه المرة لأن حنان تشعر بالإرهاق
الشديد فيبدو عليها بوادر المرض.
وقف
خلفها مباشرة بينما توزع الهدايا على الأطفال، شعرت به فاستدارت على مهل ونظرة
استغراب تتضح بشدة في عينيها لكن هذا ليس ما لفته إنما هناك شئ أخر هو الذي ذبح
صدره بنصلٍ حاد.
سألته
بهدوء: بتعمل إيه هنا ؟
أجابها
بمشاكسته المعتادة معها: هي دار الأيتام دي حجر عليكي لوحدك ولا إيه ؟
تنهدت
ثم عادت تصب اهتمامها على الأطفال، لقد تغيرت نعم، لقد احتل الحزن مكاناً ليس بهين
داخل عدسات عينيها، ما سببه؟، بالتأكيد ليس هو لكن إحتمالية أنه السبب بذلك زاد
انغراس النصل ممزقاً أحشاءه.
حان
وقت الرحيل، أوقفها ليتحدث معها، أنصتت لما قصه عليها فيما يخص حالة مي مي منذ
علمت بعدم عودتها مرة أخرى، ترقرقت دمعة في عيونها ولكنها أبت لها الهبوط في حضرته.
تمتمت
بتحفظ: أتمنى لها الشفى قريب
رفع
حاجبيه استنكاراً: بس كدا ؟ .. دا كل اللي عندك ؟
استفهمت
منه: وأنا ممكن أقدر أعمل إيه أكتر من كدا ؟
أجابها
بهدوء مصطنع: ترجعي تاني تدرسيلها
رفعت
رقبتها بعنفوان: أسفة، كفايه اللي حصل لحد كدا، كل اللي أقدر أقدمه لحضرتك إني هأخد
بالي منها لو قدرتوا تدخلوها المدرسة .. غير كدا فأنا أسفة
بدأ
الإنفعال يسيطر على حديثه: بس إنتي عارفه إنها ما ينفعش تروح المدرسة، مش هتقدر
تنسجم في حالتها دي، كمان لسه كانت في حالة إنهيار أي ضغط زيادة ممكن يعملها
انتكاسه الله أعلم نتيجتها هتبقى إيه
رغم
تمزق فؤادها بسبب كلماته وتخيلها لوضع حبيبتها إلا أن كبرياءها أبى لها الخنوع
فقالت ببرود ظاهري: يبقى أنا ما أقدرش أقدملك حاجه .. عن أذنك
-
أنا أسف
أحقاً
سمعت تلك الكلمات؟، اعتذر لها أخيراً كانت تعلم أنه من النوع الذي يرفض الإعتذار
مهما كان مخطئاً، فأصبح وقع تلك الكلمات عليها كالصاعقة.
إلتفتت
إليه لتتأكد مما سمعت فتابع: كدا هينفع ترجعي ؟
رأت
اليأس في عينيه كما لمعان الدمع في قاعهما، همهمت: للدرجة دي بتحبها ؟
لا
تعلم لما سألت هذا السؤال فمن ذاك الذي لا يحبه أخته بالأخص إن كانت مثل مي مي،
أجابها بتأني:
مي
مي دي رمز لكل حاجه حلوة ف الدنيا، البراءة والطيبة .. الحنية والطفولة .. الشقاوة
والعقل، لما بأقعد معاها أو حتى أشوفها بأنسى الدنيا واللي فيها مش بيبقى ف دماغي
إلا هي .. دي رحمة ربنا بيا
تمنت
وهي تنصت إلى كلماته بقلبها قبل أذنيها أن تكون هي محل مي مي لكن ليس كل ما يتمناه
المرء يدركه .. هكذا حدثت نفسها بينما كل ما تفوهت به: هأجي بكره في المعاد اللي
كنت بأجي فيه قبل كدا .. مع السلامة
تركته
قبل أن تخونها الدموع فتهبط أمامه معبرة عن ضعفها، تمنت أن يكون هناك من يقاتل من
أجل سعادتها وراحتها كما يفعل هو من أجل مي مي، لقد تخلى عنها شقيقها عند أول
منعطف حاد كأنها لم تكن بحياته، لما لم يحاول أن يأتي على رغباته لأجلها كما فعل
حمزه قبل لحظات بإعتذاره .. حسدتها ولكن عادت وتمنت الخير لكلتيهما.
***
انتظمت
في الذهاب إلى مي مي تعطيها دروسها، حامدة الرحمن على فك الجبس أخيراً من قدم
سمية، بعد يومين ...
جلست
على كرسي صغير حول طاولة دائرية في غرفة مي مي تجاورها الصغيرة، لمحت السلسلة حول
رقبتها فسألتها: إيه دا، السلسلة دي مكتوب عليها اسمك يا "ميّ"
قطبت
جبينها مبدية عدم رضاها عن الاسم فتابعت تسألها: إنتي ليه مش بتحبي حد يناديكي
باسم مي ؟، مع إنه اسم حلو أوي ورقيق
هزت
رأسها بعنف، هدأتها حياه: خلاص مش مشكلة مي مي حلو بردو
استرخت
قليلاً فعادت حياه للحديث: إنتي ليه مش عايزه تتكلمي؟ مع إنه هيسهل عليكي حاجات
كتير ويخلي عندك صحاب كتير أوووي أووي
نظرت
لها الفتاة بصمت لدقيقة ثم تناولت الدمية من جوارها تسلمها إليها حتى تعتل مكانها
في مسرح العرائس وتروي لها بعض القصص الممتعة.
تنهدت
مي مي فتاة ذكية تستطيع تخليص نفسها في أشد الأوقات حرجاً لكن يا ترى متى سيجعلها
ذلك الذكاء الحاد تتخلى عن قوقعة صمتها ..
قبل
أن تتحرك من مكانها أتاها صوت حمزه الواقف على الباب يطلب منها أن تأتي للحظات فهو
يريد التحدث إليها، تعجبت فهو لم يخاطبها منذ عادت واعتقدت أن السبب هو ندمه على
الإعتذار الذي قدمه.
وقفت
معه أمام باب الغرفة فسحبه قليلاً حتى لا يصل الصوت إلى أذني مي مي، مد لها علبة
قائلاً بإبتسامة سحرتها: اتفضلي
تناولتها
بتردد وقد دفعها الفضول لتعلم ماذا تحوي في جعبتها، رفعت إليه نظرات مملؤه
بالدهشة: دا موبايل
هز
رأسه مؤكداً: ليكي
أعادته
إليه: مش بأخد هدايا من حد من غير مناسبة
رفع
أحد حاجبيه: ومين قالك إنه من غير مناسبة ؟ .. دا هدية شكر عشان وقفتك جنبنا
الفترة اللي فاتت أيام ما ماما كانت رجلها متجبسة وساعدتينا من غير مقابل
أضاف
غامزاً إياها: كمان عشان لما تنزلي مستعجلة وتاخدي مي مي معاكي تقدري تكلمينا
وتقوليلنا بدل ما واحد كدا ثقيل ورخم يقولك كلمتين يزعلوكي فتسيبي المسكينة اللي
جوا دي وحالتها تقطع القلب
حاولت
إخفاء إبتسامتها لكنه استطاع لمحها مما جعل إبتسامته تتسع أكثر، تمتمت: شكراً
هم
بالإنصراف عندما استدار إليها متذكراً: أه صحيح هتلاقي عليها نمرة واحدة بس متسجلة
.. هتلاقيها متسجلة باسم الأرجوز .. فدي نمرتي يعني لو عوزتي حاجه
عندما
رأى إتساع عينيها، أضاف بمكر: وكان موبايلي تايه مش عارف بيتسرمح فين فرنيت عليه
من موبايلك .. وأنا كشخص مش بأحب الأرقام الغريبة اللي مالهاش اسم دي بتبقى دخيلة
كدا ودمها تقيل فسجلت النمرة باسم ...
صمت
قليلاً مما جعل كل حواسها تنتبه وهذا ما أراده فأكمل: الشعنونه
كزت
على أسنانها غيظاً، علق على حالتها: أومال أنا بس اللي يبقى اسمي عبيط ؟ .. دا
بعدك
انصرف
وتركها في حالتها تلك لكن لم تمر لحظات حتى انفجرت ضاحكة، إنه مجنون، عادت إلى
الداخل حيث مي مي التي نظرت إلى العلبة في حيرة.
-
تعالي نقعد نستكشف البتاع دا بيشتغل إزاي ههههههه لا وجايبهولي حديث كتر خيره
قفزت
الفتاة في مرح فهي تعشق اكتشاف كل جديد وجلست إلى جوار حياه .. استغرقوا في قراءة
كُتيب التعليمات.
لم
يشعر أياً منهما بأن هناك من يتابع الحديث منذ بدايته، بوجه جامد لا تعلوه أي
تعبير سواء الرضا أو السخط ..
***
شعرت
بأن جدران المنزل تطبق على صدرها حد الإختناق، تريد التحدث إخراج ما بداخلها، تبكي
وتطلق العنان لمشاعرها حتى تعبر عن الأعاصير التي تدور دون توقف في نفسها، لم تجد
غيرها حلاً فهي من رافقتها إلى المستشفى .. لا تعلم نتائج الفحوصات ولكن ما الضرر
الذي سيحل إذا علمت .. ستأتمنها على السر متأكدة من حفظها له .. مستغلة إنشغال
زوجها في شركته.
أتت
إلى منزلها فقد حفظت العنوان قلقة من صوتها الذي أتاها عبر الهاتف، قبل أن تنبس
بحرف ارتمت نجلاء بين ذراعيها تبكي بكل ما يجيش داخل قلبها من قلق.
مر
وقت لا بأس به حتى هدأت وبدأت تقص عليها ما ظهر بالتحاليل والنتائج التي أطلعها
عليها الطبيب المختص.
أنهت
قصتها باكية: طلع كانسر ف المخ .. أنا لحد دلوقتي مش قادرة أصدق
حزنت
على حالها ولكنها تماسكت فهي ليس بحاجه إلى إنهيار أخر بل إلى دعم: طب الدكتور
قالك إيه عن الحاله .. مرحلته إيه ؟
-
هو قال إنه لسه في مرحلته الأولى وإنه العلاج الكيماوي ممكن يجيب نتيجة وما نضطرش
نستخدم التدخل الجراحي
شجعته
بأمل: طيب الحمدلله .. احمدي ربنا إنك اكتشفتيه ف الأول وهنلحقه إن شاء الله
-
بس الكيماوي هيوقع شعري .. هيخليني دبلانه
نظرت
إليها متعجبة: وإيه المشكلة ؟؟ .. دي فترة وهتعدي
صوبت
بصرها إليها غاضبة: وجوزي؟؟ ... هيبصلي إزاي لما أبقى بالشكل دا ؟؟
ربتت
على ظهرها: أكيد مادام بيحبك هيقف جنبك وهيصبر معاكي
انتفضت
واقفة تتحدث بعصبية: يصبر على إيه ولا إيه .. على إني مش بأخلف ولا على واحدة ممكن
تموت ف أي لحظة ولا على شكلي اللي هيبوظ أكتر
وقفت
حياه أمامها بصرامة: الموت دا حقيقة موجودة ف أي لحظة بتحصل، مش من ساعة ما عرفتي
بالمرض وبس!، شاب ماشي بصحته ف الشارع فجأة وقع مات .. واحدة فجأة جات لها سكتة
قلبية ماتت .. طفل صغير بيعدي الطريق ظهرت عربية الله أعلم منين خبطته فمات .. أنا
نفسي ممكن أموت قبلك .. إيش عرفك؟؟ .. إنتي بس أخدتي بالك من الموت لما خبط على
بابك لكن هو موجود في كل مكان حولينا بس إحنا اللي مش بنحب نشوفه غير لما يجبرنا
نبص عليه.
أما
بالنسبة بقى لموضوع الخلفه فمن اللي شوفته فادي مش فارق معاه مادام إنتي معاه، هو
أصلاً طول اليوم ف الشغل ولما بيجي بيبقى عايز يريح دماغه وينام، لكن طفل في البيت
وصداع وعياط وجيبله كذا والطلبات اللي ما بتخلصش، هو لسه في بداية الطريق أكيد
هيبقى حمل زيادة عليه
شكلك
بقى .. ماله شكلك؟ .. دي فترة بس العلاج الكيماوي وبعدين هترجعي زي الأول وأحسن ..
أصلاً لو أهتم بشكلك على حساب صحتك فدا مش هيبقى دليل إلا على حاجه واحدة بس ..
إنه ماكانش بيحبك أساساً ! ... وبعدين خليكي واثقة ف نفسك وف أنوثتك
ضمتها
نجلاء قائلة بضعف: ما تسبنيش يا حياه، أنا محتجاكي معايا، إنتي اللي هتفوقيني،
الكل بيجاملني .. حتى ماما لكن إنتي اللي بتكلميني بصراحة ودي أكتر حاجه محتاجها
الفترة اللي جايه
تحسنت
حالتها أكثر وحاولت حياه أن تصرف إنتباهها عن الموضوع فأخذتها إلى المطبخ تعلمها
طبخات جديدة تقضي بها بعض الوقت قبل أن يعود فادي وكذلك تشغل عقلها بشئ مختلف.
أثناء
إنشغالهما في المطبخ دق جرس الباب، ذهبت نجلاء تفتحه لتتفاجئ بقدوم زوجها مبكراً
وأيضاً برفقة شقيقها.
خرجت
حياه ضاحكة لا تعلم بقدوم أخرين: تعالي بصي يا نوجه على الأشكال الهبلة اللي
عملتها ..
تبخر
ما كانت تريد إضافته لجملتها السابقة عندما ألتقت عيونها بنظرات حمزه الضاحكة الذي
علق بمكر: هو لازم نوجه يعني هي اللي تيجي تشوف؟ .. ماينفعش أنا مثلاً ؟
استدارت
تواري خجلها: أنا داخله المطبخ أكمل أبقي تعالي يا نجلاء ما تتأخريش
عقب
حمزه مشاكساً: بقت نجلاء دلوقتي ؟؟ مش كانت من شوية نوجه ؟؟
قرص
فادي ذراعه فإلتفت إليه حانقاً: في إيه ؟
غمزه:
خف ع البت شوية، هي مش قدك وأنت رايق يا دونجوان
نجلاء
باسمة: أه يا ريت فعلاً تخف يا حزومه
أمسك
بذراعيهما ودفعهما بعيداً عنه: ما تتلهوا أنتوا الإتنين ف بعض وتفككوا مني !
سامح:
خلاص خلاص ما تزؤش أنا رايح أغير هدومي
حمزه
مشيراً إلى نجلاء: وإنتي روحي مع جوزك مش ناقص زن
تركاه
وضحكاتهما تتعالى، عدل من وضعية ملابسه وجذب ياقة قميص: استعنا ع الشقى بالله
دلف
إلى المطبخ حيث وجدها منخرطة فيما تفعله لإعداد الطعام، تحدثت ظناً منها أن القادم
هي نجلاء: مش كنتي تقولي أنه جوزك وحمزه جُم ولا تسبيني أطلع على عمايا كدا ؟؟
-
صدقيني أحلى ما فيكي البراءة والعفوية .. الحمدلله إن نجلاء ما حذرتكيش
لمح
اشتداد عودها متصلباً، كانت على وشك البكاء؛ لما يأتي دائماً في اللحظات غير
المناسبة عندما تكون على راحتها في الكلام سيظنها طفلة هكذا كما أنها لا تتذكر
موقفاً واحداً رأها فيه تتصرف بعقل وتتحدث برزانة.
أضاف
ليزيد إرتباكها: دي أول مرة اسمعك تنطقي فيها اسمي .. مش بيعض مش كدا ؟؟
أرادت
أن تصحح له فكرته تلك فهي تردده دائماً لكن بينها وبين نفسها ليس أكثر، فهو
بالنسبة لها كالحلم الجميل إذا سردته طار مبتعداً بين الأفق.
سحبته
نجلاء إلى خارج المطبخ: روح أقعد مع فادي قدام التي ڨي عقبال ما نخلص الأكل
ونناديكوا
انصرف
صامتاً فليس هناك من جدوى في بقاءه مادامت نجلاء ستبقى واقفة بينهما، جلس بجوار فادي
شارداً، تغير تفكيره كثيراً، لقد كان يتجنب أي إحتكاك مع النساء لكن منذ ظهرت هي
في حياته أصبح يبحث عن كلمات كي يناكفها بها.
***
أجاب
الرنين المتواصل لهاتفه بملل: خير؟
هب
واقفاً عندما سمع الخبر الذي نُقل إليها حالاً، أغلق الخط وخرج مسرعاً نظرت له
جميلة متسائلة: هو حصل إيه؟
-
عرفوا مكانها !
تركهم
منصرفاً بسرعة والسعادة تشع من عينيه كما لم تفعل منذ فترة، زفرت جميلة بحدة
واتجهت إلى غرفتها غاضبة، استرخت نيفين أكثر في جلستها وشردت عينيها بعيداً أما
فتون فظهر الحزن بعينيها وعضت شفتيها قلقاً.
***
تبادلوا
الضحكات والمزاح أثناء تناولهم الطعام .. شعرت بتأقلمها معهم كأنها تعرفهم منذ
زمن، هي معتادة على الإنسجام مع الناس بسرعة فقد كانت تتعامل يومياً مع أناس
مختلفين بحكم أتخاذها للخبرة الكافية في مجال دراستها ولممارسة اللغة كما أن تخصص
سلمى صديقتها في كلية إقتصاد وعلوم سياسية جعلها تشاركها الكثير من التعامل مع
الناس لكن لكل منهما هناك هدفاً مختلف.
كانت
أغلب نظراته تقع عليها ولا تتحرك، تتابع حركاتها ورموش أجفانها رد فعلها ضحكتها
العفوية .. كل شئ .. رغم عمرها شعر أنها ما تزال تحتفظ ببراءتها .. طفلة في جسد
امرأة .. هز رأسه مقتلعاً عينيه من فوق وجهها.
رن
هاتفها فانسحبت تجيب، شعر برغبة جامحة في معرفة من الذي نهضت لتتحدث إليه بعيداً
عنهم مما جعله يلحق بها بينما تبادل فادي وزوجته النظرات .. تدل على تفاهم متبادل
بين الزوجين.
-
حاضر يا حنان .. يا بنتي اللي يشوف كدا يقول إنك مامتي .. هههههه عاجبني يا ستي
ولا تزعلي نفسك .. خلاص والله هأعتذر منهم وأجي .. ماشي مع السلامة
استدارت
لتعود إليهم لكن جسد حمزه منعها من المرور .. ابتسم: هتمشي؟
أومأت
مجيبة بصوت هامس: أيوه
عقد
ذراعيه: طبعاً مش هترضي إني أوصلك مع إن الليل داخل خلاص
هزت
كتفيها: زي ما قولتلك ما يصحش .. ممكن أعدي بقى ؟
تنحى
جانباً في صمت سامحاً لها بالمرور .. اقترح على شقيقته وزوجها أن يأخذهما إلى إفتتاح
معرض لوحات لأحد الفنانين الذين يحبهم فادي بشدة، فرحب بالفكرة كذلك نجلاء.
أضاف
حمزه ناظراً إلى نجلاء بتحدي: ونوصل الأنسة ف طريقنا بالمرة
راجع
الجملة التي قالها فلم يجد بها سبباً للألم الذي ظهر في عينيها فجأة ..
أوقف
السيارة أسفل البناية التي تقطنها وانتظر حتى تأكد من صعودها قبل أن ينطلق بسيارته
مع شقيقته وفادي إلى حيث أتفق معهما.
ارتفعت
الأعين المليئة بالشر والوعيد إلى الشرفة التي وقفت بها تطل على السيارة تتبع
انصرافها بقلب مشتاق ثم تدلف إلى الداخل بهدوء مغلقة باب الشرفة خلفها وتشد الستار
الشفاف عليها.
***
-
أنا مش عارف إيه الاجتماع السري دا ؟؟
-
مش عايزه حد يعرف الموضوع اللي عايزاك فيه ؟
-
حد مين يعني؟ .. البيت مافيهوش غير بابا ومي مي .. من إمتى بتخبي حاجه يعني؟
علقت
مركزه نظراتها على عينيه: وحياه
حاول
إخفاء توتره ناسياً أن والدته كانت ناظرة مدرسة للمراهقين وتعرف علامات الإعجاب والحب
من نظرة عين: مالها ؟
تنهدت:
بتحبها ؟
كان
تقريراً أكثر منه سؤالاً .. تنهد: بتسألي ليه ؟
-
من ساعة ما شوفتها لما رجعت وأنت كل شغل يجيلك فيه سفر ترفضه مش بتقبل غير الشغل
اللي مش محتاج سفر .. جبتلها موبايل هدية .. بتوصلها لبيتها .. حاجات كتير يا حمزه
نظرة
جليدية طغت على عيونه: والمطلوب ؟
-
بص يا ابني إحنا مش نوعية الناس اللي تلعب بالأعراض .. عايزها أتجوزها وأنا مش
هأقف قدامك لكن طريقة الحرمية دي مش أسلوبنا ولا أنا ربيتك على كدا
شرد
بعيداً قبل أن يردد: بس أنا مش مستعد للجواز دلوقتي
أجابته
بحزم: يبقى تبعد عن طريقها وتسيبها تشوف حالها .. ما تلعبش بقلوب البنات يا حمزه
عشان أنت مش قد نتايجه
تناولت
حقيبتها مضيفة: فكر كويس ف اللي قولتهولك يا تمشي صح يا تبعد عن طريقها نهائي هما
حلين مالهومش تالت .. هأروح لأختك أطمن عليها .. سلام
تركته
يتخبط في أفكاره لا يدري ماذا يفعل، لم يفكر في الخطوة القادمة وبالتأكيد لن تكون
الزواج، هناك شكوك تعتمل بقلبه تجاه الجنس الناعم .. فقد يكون ناعماً من كثرة
الاستخدام !
***
تعجبت
من طلب أحمد بأن تبقى مع مي مي حتى عودته فقد نُقل أحد أصدقائه إلى المشفى على عجل
ويجب أن يذهب ليطمئن عليه .. وسمية خرجت برفقة حمزه لا تدري إلى أين.
استسلمت
بالنهاية للحدث الراهن، شاركت الفتاة لعبها بعد أن أنهت شرح دروسه وتأكدت من استيعابها
الكامل له، نظرت إلى ساعتها معلنة تمام السابعة .. إذاً لقد حل الظلام.
رحبت
بدق الباب واتجهت تفتحه فهي مشتاقة للعودة إلى المنزل لتستحم وتغط في نوم عميق ..
لقد كان يوماً متعباً فالمدرسة ويليها دروس مي مي ثم اللعب معها استهلك طاقتها
كلها.
دفعها
الطارق إلى الداخل مغلقاً الباب بسرعة .. شهقت فزعاً عندما تعرفت عليه لكنه لم
يسمح لها بأكثر من ذلك فقد أطبق على فمها يخرسه .. حاولت دفعه ومقاومته بلا جدوى.
همس
بشراسة وأنفاسه تخترق حجابها وصولاً لأذنها: كنتي فاكره إنك هتقدري تهربي مني؟ ولا
فاكره إني هأسيبك تفلتي من بين إيدايا؟ .. في الحالتين دا بُعدك!
توسلت
إلى ربها بدموعها التي لا تملك سواها .. فتح الرجل الأخر الذي يصحبه الباب ليتأكد
من خلوه لكن لحسن حظها و سوء حظهم كانت هناك مشكلة في الدور السفلي بين جارين لسبب
ما .. فقررا الإنتظار قليلاً.
لمحت
حياه الطفلة تقف مذعورة على باب الغرفة فأشارت لها بعينيها لتختبئ بالغرفة خوفاً
من أن يصيباها بمكروه .. تبادلاتا حديثاً صامتاً من خلال الأعين لم يشعر بهما أحد
فالأول يراقب الشارع من النافذة وهو يمسكها في قبضته والأخر يتابع تطور المشكلة
بين الجيران.
ارتعشت الطفلة خائفة، لقد رأت لأول مرة مسدساً حقيقياً معلق في حزام كلا
الرجلين .. تناولت الهاتف الخاص بحياه الذي أهداه إليها حمزه من قبل، تذكرت حياه
عندما أخبرتها ضاحكة أن أخاها مجنون لدرجة أنه كتب اسمها على هاتفها
"الأرجوز" .. بحثت عن الاسم حتى وجدته وانتظرت تسمع الرنين.
0 التعليقات:
إرسال تعليق