أغلقت ديما المصحف الشريف بعد ختمها للورد اليومي وجلست
تنظر إلى السماء من نافذة الحجرة وقد تذكرت نفس المشهد الذي أمامها من قبل عندما
جلست تدعو ربها والدموع تنهمر من عينيها أن يزرع حبها في قلب باسل زوجها وحبيب
قلبها ، الذي كانت تشعر ببروده في تعامله معها منذ زواجهما ، هو من تقدم لخطبتها
هو من أراد أن يحيا ما تبقى له من عمر بصحبتها فلما تغير بعد أن أصبحت ملك يمينه !
... كانت تغرقه بحبها ... تقابل جفاءه بحنانها وعصبيته بهدوءها ... تدعو الله أن
يهديه إلى قلبها ... أن يجملها في نظره.
حتى أتى ذلك اليوم الذي انكشفت فيه الحقيقة وعرفت سر ذلك
الجفاء ...
أتى موظف يعمل بشركة باسل ليحضر بعض الأوراق المهمة لسير
العمل فقد أجبر في ذلك اليوم على البقاء في المنزل عكس عادته بعد تعبه الليلة الماضية
وأمر الطبيب بعدم الذهاب إلى أي مكان خارج المنزل فخضع تحت إلحاح الجميع عليه
بداية من الطبيب وصولاً إلى والده وبالطبع ديما لم تتركه
الموظف: رامي بيه بعتني عشان أجيب الورق من حضرتك عشان
يمشي الشغل
أومأ باسل وهم بالنهوض عندما قاطعته ديما: خليك أنت يا
باسل قولي فين الورق وأنا هأجيبه عشان ما تتعبش نفسك
شعر بالكسل أيضاً فقد أعجبته الراحة وعدم القيام بشئ
لفترة فقال: هتلاقيه في الدرج اللي في النص يا إما في الدرج اللي عالشمال ملف أزرق
كدا
اتجهت إلى غرفة المكتب وبدأت بالبحث ، وجدت الملف
المقصود ولكنها سحبت ورقة بالخطأ وهي تخرج الملف ، لم تنتبه إلا عندما سقطت منها
فتناولتها لتضعها ولكن لا تعلم ما الذي جذبها لتقرأ ما بها لتشعر بالدموع تنهمر من
عينيها بغزارة وتسقط في أقرب كرسي لها ...
أفاقت عند تلك النقطة على حركة بالغرفة فإلتفتت لتجد
مريم وقد استيقظت من نومها ، مسحت دمعة خائنة سقطت على وجنتيها وقالت مصطنعة
السعادة: صباح الخير يا مريومه
-صباح النور يا ديدي ... أحلى حاجه إنه إنهارده الجمعة
... ياااااه قمة الراحة
-هههههههههههه ... كويس إنك فكرتيني ... أنا حكيتلك على
اللي بيحصل في الشركة صح ؟
-أه ... هو فيه جديد؟
-لا لسه بس أنا كنت بأحاول أخلي الناس اللي قريبين مني أوي
في الشركة يكونوا محل ثقة ... فكنت عايزاكي تيجي تشتغلي معايا
-وهاشتغل إيه معاكي ؟
-هتبقي السكرتيرة بتاعتي
-طب والسكرتيرة بتاعتك دلوقتي هتعملي فيها إيه ؟ ... لا
يا ديما أنا ما بأحبش أقطع عيش حد
-إخص عليكي يا مريم بقى أنا هاقطع عيش حد بردو ؟ ... أنا
بس هأنقلها في مكان تاني في الشركة
-طب اإنتي شوفتي منها حاجه وحشة يعني ؟
-لا بس أنا في وضع صعب يا مريم ... أنا عمري ما أذيت حد
ولا حتى بابا وكان كل الناس بتحبه يبقى اللي بيعمل كدا بيعمله ليه ؟ ... أنا بقيت
أخاف من خيالي وعايزاكوا جنبي
-خلاص أنا معاكي ، أول ما هاروح الشغل هاستقيل وأجي
اشتغل معاكي
ضمتها ديما بقوة قائلة: ربنا يخليكي يا مريومه يا حبيبتي
ضحكت مريم : طب يلا بقى نقوم نفطر لأحسن أنا هاموت من
الجوع
---------------
جلست في شرفة حجرتها ممسكة بقدح القهوة بين كفيها تتطلع
إلى ذلك المنظر البديع الذي يتكرر كل صباح ولا تستطيع متابعته إلا يوم عطلتها ،
قاطع إسترخاءها صوت هاتفها المحمول ، أجابت مستغربة هذا الرقم الغريب.
-ألو
-هو فيه ألو بالحلاوة دي عالصبح يا ناس !
-مين معايا ؟
-حزري فزري
بعصبية أجابته: هتقول أنت مين وعايز إيه ولا أقفل في وشك
؟؟؟
-خلاص خلاص ... إهدي كدا ... أنا رامي
ردت مستغربة: رامي ؟
-أيوه ... وياريت تنزلي رجلك دي عشان ما بأحبش حد يقعد
قدامي وهو حاطط رجل على رجل ... ولا أنا مش مالي عينك يا هانم !
أنتفضت من جلستها وقالت متلفتة حولها بتوتر: وأنت عرفت
إزاي ؟ ... أنت فين ؟ ... وجيبت عنواني منين ؟
-هههههههههههه واحدة واحدة خدي نفسك الأول طيب ... عرفت
عشان أنا شايفك دلوقتي قدامي ... وبالنسبهة لإنه أنا فين إنتي ممكن تبصي في الشارع
تحت هتلاقيني
نهضت متوجهة إلى سور الشرفة ، نظرت إلى الشارع لتجده
واقفاً وقد استند إلى سيارته السوداء الحديثة ويتطلع إليها مبتسماً ويمسك في إحدى
يديه بهاتفه المحمول فسألته: أنت عرفت عنواني منين ؟
رأت ضحكته قبل أن تسمعها في الهاتف: زي ما عرفت نمرتك
عرفت عنوانك
تابعت بغيظ: وعرفت الإتنين إزاي ؟
أجابها بلا مبالاة: عادي ... روحت الشركة سألت عليكي
وطلبت بياناتك وبس
غضبت: هو عشان معاك فلوس ومركز تتدخل في حياة الناس كدا
؟
-الله ؟ ... وهو أنا عملت إيه يعني لكل دا ؟
-حضرتك أخدت نمرتي وعنواني من غير ما تستأذني إفرض أنا
مش عايزاك تعرفهم يا أخي ... وبعدين أنت تعرفهم ليه وعايز إيه يعني ؟
-عايز أشوفك ونقعد نتكلم شوية
-نعم ؟ ... أنت ف وعيك يعني ؟
-ااه ... أنا ما كنتش في واعيي زي إنهارده
-بص يا بابا أنت تركب عربيتك كدا وتروح بيتكوا وتاخد دش
ساقع عشان يفوقك وتدخل تحت الغطى وتنام وتحلم بعيد عني !! فاهم !!
-هههههههه لا مش فاهم ... وإنتي هتنزليلي حالاً
-نعم ؟! ... لا لا أنت شكلك ضارب حاجه عالصبح
قال بإصرار وجدية: لو ما نزلتيش بعد 10 دقايق يا ميرنا هأنادي
عليكي في وسط الشارع كله وأطلعلك البيت
وأغلق الخط ، فأطلت من شرفتها لتجده عاقداً ساعديه
والتصميم يشع من حدقتيه بالرغم من أنها بالدور الثاني من البناية وليست على مقربه
منه ولكنها استشفت ذلك من بريق عينيه ، دخلت مسرعة تبدل ملابسها وتهبط له مسرعة
قبل أن ينفذ ما هددها به.
وقفت أمامه تلهث بعد أن أسرعت في تجهيز نفسها والنزول
إليه بأقصى سرعة ، نظر إليه بأنتصار وفتح لها الباب الذي كان يستند عليه بجذعه
فركبت معه دون التفوه بأي حرف كأنها مسيرة فيما تفعل وليس بيدها الأختيار.
------------------
جهزت ملابس زوجها ووضعتها إلى أحد الكراسي في غرفة النوم
ليجدها جاهزة فور أنتهاءه من حمامه الصباحي ، اتجهت لتعد الإفطار له ولأولادها قبل
الذهاب إلى المدرسة.
-علي ، كرم ، أمجد ! يلا الفطار جهز
أتى كل من الصبيين مسرعين وباشروا في الصراع على من يجلس
على هذا الكرسي أو ذاك كالعادة.
صرخت فيهم رنا بحزم: اقعدوا مكان ما بتقعدوا كل يوم
تتحول ملامحها عند الغضب من الرقة والجمال الطبيعي إلى
ما لا يبشر بالخير ، عندما تمتلئ عينيها السوداوين بالتحدي تلمع لمعاً غريباً يحبه
زوجها بشدة لدرجة أن يصل به الوضع إلى تعمد إستفزازها.
كرم ولد بعد أخيه بـ 4 دقائق فأصبح الأصغر ، شعره أسود
مجعد وعيون ماكرة ، هتف بحنق: وهو ليه يقعد على الكرسي دا وأنا لا ؟
يشبه أمجد أخيه التوأم بشدة ولكنه ذا شعر ناعم يرتدي
نظارات طبية كما أنه معروف بعقله ورزانته ، قال مغيظاً: عشان أنا الكبير
نهرهم والدهم بهدوء بينما يسحب أحد الكراسي ليجلس: مش
هتبطلوا خناقة كل يوم دي ؟ ... اقعدوا وخلصوا أكل بسرعة عشان ما تتأخروش عالباص
أطاعوا أمره بهدوء وأحدهم يتوعد الأخر والثاني غير مبالي
فبالنهاية هو المنتصر.
سألت رنا زوجها: هتتأخر إنهارده يا علي ؟
أجابها بلا مبالاة متابعا تناول إفطاره: مش عارف حسب
الشغل
تابعت حديثها: طيب أصل أنا رايحه أقابل البنات ومش
هاتأخر
توقف عن تناول الطعام ونظر إليها قائلاً ببرود: هو إحنا
مش هنخلص من صحابك دول بقى ولا إيه ؟
أجابته متعجبة: ومالهم صحابي دول ؟
علي: أعتقد إنه بيتك وجوزك أولى بوقتك ولا إيه يا مدام ؟
رنا: هو أنت شوفتني قصرت ف حاجه ؟ ... لو مقصرة قولي
وأنا هأظبط نفسي لكن أنا عمري ما هأقطع علاقتي بيهم أبداً ... دول أقرب ناس ليا
نهض متناولاً حقيبته ومفاتيحه قائلاً بسخرية: إنتي بس
اللي كدا ، كلهم مش متجوزين إبقي شوفي كل واحدة فيهم لما هتتجوز ، ولا هتسأل فيكوا
وكلهم هيعملوا كدا ومش هتلاقي واحدة منهم بتسأل عنك ... بس هأقول إيه ؟.. حظي أنا
اللي كدا ... إبقي إشبعي بيهم يا ست هانم !
أضاف موجهاً حديثه للأولاد: يلا هاتوا الشنطة عشان ننزل
زمان الباص وصل تحت
أغلق الباب خلفه تاركاً إياها في صدمة لا تحسد عليها ،
فهي ترعى المنزل بكل جهدها ولا تحرمه هو أو أولاده من شئ ، فلماذا يهاجمها بتلك
الطريقة؟ ، لما هو متحامل على صديقات عمرها بذلك الشكل؟
-ياااا رب الصبر من عندك
ونهضت لترفع الفطور وتحضر الغداء قبل ذهابها للقاء
صديقات العمر.
---------------
قالت مستغربة: أنت ما فطرتش في البيت كالعادة ليه ؟
أجابها بضيق: نكدت عليا وأنا بأكل ما أستحملتش سبتها
ونزلت وقولت ألحق أكلمك عشان نفطر سوا ... غلطت أنا كدا ؟
أسرعت تقول بسعادة: لا يا حبيبي مش قصدي دا أنت عملت عين
العقل أول مرة هأفطر معاك
ابتسم بفرح: وإن شاء الله مش هتكون أخر مرة يا حياتي
أمسكت بيده مبتسمة بدلال ، وفي تلك اللحظة كانت ميرنا
تدخل إلى المطعم برفقة رامي وما إن توجهوا إلى إحدى الطاولات حتى توقفت فجأة
واتسعت عينيها بشدة ، نظر رامي إليها قائلاً: إنتي مش هتقعدي ولا إيه ؟
لم تسمع ما قاله ولم تجب ، نظر إليها مجدداً ليجد نظرها
موجهاً إلى رجل يجلس مع فتاة ، دبت الغيرة بقلبه من إحتمالية وجود شئ ما بينها
وبين ذلك الرجل وسألها: إنتي تعرفيه ؟
لم تعره أنتباهاً واتجهت إلى حيث كانت تنظر والغضب
يعتمرها وما زاد غضبها أنها وجدت تلك الفتاة تمسك بيده وهو يتقبل الأمر كأنه طبيعي
ومعتاد عليه ، توقفت بجوار طاولتهما ووجهت نظراتها إلى الرجل قائلة بسخرية : إزيك
يا علي بيه ؟
توتر علي وسحب يده بسرعة ونظر إليها بإرتباك: ميـ ميـ ..
ميرنا ؟
-أيوه ميرنا ... إزيك ؟
أجابها وهو يحاول فك ربطة عنقه قليلاً: الحمدلله وإنتي ؟
وجهت نظراتها إلى الفتاة الجالسة معه : إزيك يا .... أنسة
قالتها بإستهانه مما أشعل الحنق والغضب بداخل الفتاة
ولكنها لم تجب ، عادت ميرنا بنظرها إلى علي قائلة: إبقى سلملي على رنا
تركتهم عائدة إلى رامي الذي مازال واقفاً في مكانه
ينتظرها ، جلست وطلبت فطورها ، لم يتحمل رامي أكثر وهو يتابع نظراتها التي لا تترك
الجالسين على الطاولة الموجوده في زاوية المطعم فسألها: إنتي تعرفيه؟
أجابته بإيجاز: أيوه
نار الغيرة ظهرت في صوته: حبيبك ؟
وأخيراً منذ جلوسها نزعت نظرها عنهم لتوجهه إلى رامي
قائلة بوضوح: جوز صحبتي
تنهد براحه وتابع: ودي مش صحبتك؟
أجابته: لا
على الطاولة الأخرى كان علي يشعر بالقلق الشديد ويرتعش
بتوتر وكانت تدور بعض الأسئلة المشابهة لتلك التي طرحها رامي على ميرنا
-تعرفها ؟
-أيوه
-مين دي ؟
-صاحبة مراتي
قالت باستهزاء: ومالك خايف كدا ؟
أجابها بقوة: ومين قال إني خايف ؟
-أومال مالك مش على بعضك ليه ؟
-أنا بس مش عارف رد فعل رنا هيبقى إيه لو ميرنا قالتلها
-خايف عليها أوي سيادتك ؟
-مش كدا ... بس دي بردو مراتي وأم عيالي صعبة أوي عليها
بردو يا نادية
أدعت الحزن قائلة: كدا بردو يا علي ... خايف على مراتك
وتقولي إنك بتحبني ... شكلك بتحبها وكنت بتضحك عليا
أسرع يمسك بيدها معتذراً : لا يا حبيبتي أوعي تقولي كدا
دا إنتي بقيتي حياتي كلها ... ربنا يخليكي ليا
شعرت بالراحة فقد استطاعت الحصول عليه أخيراً ، لا يقدر
الآن على الإستغناء عنها ونسي أمر زوجته الأخرى وستحتل هي مكانها في قلبه ومنزله
وعقله ...
-أنت كنت جايبني هنا ليه ؟
تفاجأ رامي فقد ظن أنها لم تعد تشعر بوجوده: عشان نتكلم
-ف إيه ؟
أجابها بصراحة: أنا حاسس إنه فيه حاجه جوايا ناحيتك ...
مش متأكد إذا كانت حب ولا مجرد إعجاب
نظرت له متمعنة: طب وعايزني أعملك إيه ؟
-عايز نخرج سوا ونتعرف على بعض أكتر لحد لما اتأكد من
مشاعري
حل الصمت قليلاً قبل أن تجيبه: طب افرض كان مجرد إعجاب
وأنا اتعلقت بيك وقتها هيبقى إيه الحل ؟
شعر بالإرتباك: إحنا بس هنتكلم سوا ... أعرف عنك أكتر
وتعرفي عني أكتر كأننا صحاب يعني ... من غير ما ندخل أي عواطف في تصرفتنا
-وإزاي مش هندخل العواطف وأنت أصلاً كل دا عشان تحكم على
عواطفك ناحيتي ؟
طال الصمت كثيراً وقطعته هي بنهوضها قائلة: عايزة أروح
أومأ موافق واتجه معاها للمغادرة بصمت.
0 التعليقات:
إرسال تعليق