(33)

 
ترك عبدالحميد الجريدة التي يتصفحها ليرى من يطرق الباب بهذه الشدة ، عبدالحميد: حاضر جاي أهو
فتح الباب ليتفاجئ برامي يستند إلى الحائط بتعب ، أسرع يعاونه حتى أدخله إلى المنزل وأجلسه على أقرب مقعد.
رامي ساخراً: أنت اللي بتسندني والمفروض العكس ، جيل فسفس صحيح
أتت الزوجة متسائلة عن هواية الطارق ، تفاجأت برامي فقالت سعيدة: أنت جيت ؟ ... الحمدالله ع السلامة
عبدالحميد: حضري لقمة ياكلها ، دا مش عارف يصلب طوله
سألته فزعة: مالك يا رامي يا ابني ؟
أجابها ساخراً: على طول يقولولي ماعندكش دم ما عندكش دم ، إمبارح بليل بقى اكتشفت إنه عندي دم بس الحمدلله أخدوه كله وما سابوليش غير نقطتين أغيظ بيهم صحابي
نظرت له الزوجة بشفقة وهي تنصرف: لا أنت حالتك صعبة أوي يا ابني ، هأروح أحضرلك تفطر يمكن عقلك يرجعلك
بعد ذهابها نظر عبدالحميد إليه بشك: إيه اللي حصل خلاك بايع نفسك والدنيا كدا وكمان بتتريق على حالك؟
نظر له رامي مستغرباً كيف يفهمه بسهوله هكذا؟ ، لو كان والده الحقيقي على قيد الحياة ما كان ليفهمه بهذه السهوله.
عبدالحميد متفرساً فيه: أنت شوفتها ؟
امتلئت مقلاتيه بالدموع لذكرها أمامه وقال هامساً: أيوه ، وياريتني ما شوفتها
عبدالحميد مستفسراً: هي اللي اتبرعتلها بدمك ؟
اختفى اللون من وجهه نهائياً وصاح متوجعاً: أنا كنت أروح فيها لو حصلها حاجه !
عبدالحميد: يعني أنت ما كنتش عايز تشوفها ؟
رامي: عايز بس ... بس صعب أوي تبقى قدام عيني وما أقدرش أروح أكلمها عشان ما اتعلقش بيها أكتر ولا أعلقها بيا زيادة
أم يحيي: يلا الأكل جاهز
وضع عبدالحميد كفه على كتف رامي محفزاً: قوم يلا أفطر وصحصح كدا وبعدين نقعد وتحكيلي على كل حاجه
------------------
الحال في المشفى ، تبكي له أقسى القلوب ، فالأم دموعها لا تنضب ولا تجف تدعو بقلبها قبل لسانها أن يتم شفاء فلذة كبدها على خير ، تُجالسها ماري لتخفف عنها بعض ألمها وعقلها لا يستطيع نسيان المشهد الذي رأه فور دخولها إلى الشقة حيث وجدت مريم غارقة في دماءها وبالكاد تتنفس.
ميرنا تنزوي في أحد الأركان جالسة على الأرضية ... تضم ركبتيها إلى صدرها تدعو بقلبها أن يُعيد لها صديقتها ويخرجها من أزمتها.
تُمسك هدى بالمصحف الشريف تقرأ به ، داعية الله أن تمر هذه الفترة على خير ، وأن تكون سبب في قربهم منه.
تُسند رنا ظهرها ورأسها إلى الحائط تتأمل السقف في صمت ، تفكر في صديقتها والأقرب إلى قلبها ، لم تختلفا معاً في شئ بعكس البقية ، كانت تودها بشدة وتطمئن على حالها باستمرار ، كان تحادثها في اليوم أكثر من أربع مرات ، عندما تشعر بالملل كانت تهاتفها لتسليها قليلاً أثناء انشغال الأولاد بالدراسة أو تواجدهم بالمدرسة ، حاولت منع دموعها من التساقط مرة أخرى ولكن هيهات.
تطلع الجميع بأمل إلى ديما عندما رأوها أتيه من غرفة الطبيب ولكن أشارت برأسها بأنه ليس هنالك من جديد ، فعاد الوضع كما كان وساد السكون.
ظهر كريم الذي اختفى لساعات دون أن يعلم أحد شيئاً عن مكانه ، لقد شعر بأن داخله حزن دفين يجب أن يخرجه ولكن ليس أمام أياً كان فانسحب بهدوء ليبكي في ركن بعيد عن الأنظار حتى هدأ ، تقدم منهم حاملاً صينية موضوع فوقها عدة أكواب من القهوة الطازجة ، خاطبهم جميعاً: اتفضلوا اشربوا القهوة عشان تصحصحوا مادام مش عايزين تروحوا
والدة مريم: تسلم إيدك يا ابني ، بس مالوش داعي تتعب نفسك كدا ، أنا ماليش نفس لحاجه
كريم: أصلاً إنتي القهوة مضرة ليكي أنا جايب للبنات
تناولت ديما أحدها قائلة: شكراً
مر عليهم بالترتيب لتستلم كل واحدة كوبها وتتناوله بدون شهية ، لاحظ كريم حالاتهم السيئة ، يبدو أن محبين مريم كُثر فلقد ظن أنهم في عزاء وليس في أنتظار الشفاء ، حاول التخفيف عنهم قائلاً: مريم لو شافتكوا في الحالة دي هتزعل منكوا جداً
نظروا له بإستغراب ما عدا ديما ووالدة مريم التي قدمته إليهم: دا كريم جارنا من زمان ومريم تعتبر متربية معاه
تبادلن النظرات إذا هذا هو الشخص الذي رفض أخوها أن تتزوجه.
نظرت إليه الأم مضيفة: روح يا ابني وارتاح أنت جاي من سفر ووراك شغل
كريم: أنا مش هاتحرك من هنا غير لما أطمن على مريم وإنها قامت بالسلامة
كانت الأم تشعر بالضعف وقلة العزيمة فتنهدت مستسلمة ، هي ليست في مزاج يتحمل الإلحاح على أحد.
مر بعض الوقت قبل أن يحضر باسل برفقة مراد.
مراد لديما: إزيها دلوقتي ؟
ديما: زي ما هي
نظر مراد إلى والدة مريم متسائلاً: مامتها؟
أومأت له ديما بالإيجاب فاتجه إليها مواسياً: هتقوم بالسلامة بإذن الله
أجابته برضا: الحمدلله الذي لا يُحمد على مكروه سواه
نظر لها بإعجاب لإيمانها إلى هذا الحد ، حتى وابنتها بين الحياة والموت فلقد علم حالة مريم من باسل بالتفصيل.
حضر نعيم أيضاً ليخبرهم بمستجدات التحقيق.
مراد: لاقيتوا اللي عمل كدا ؟
أومأ نعيم فسألته ديما مسرعة: مين هو ؟ وعمل كدا ليه ؟
نظر نعيم إلى الأم بشفقة: قبضوا على أخوها ... محمد
وضعت الأم يدها على فمها بعنف لتكتم صرخاتها ، ضمتها هدى إلى حضنها بقوة.
باسل مندهشاً: إزاي يعني؟ أخ يعمل ف أخته كدا ؟
نظرت له ديما لتسكته ثم سألت نعيم بجدية: واثبتوا الكلام دا إزاي؟ هو مش البواب قال إنه ما شافش اللي خبط فيه؟
نعيم: أيوه ، بس البصمات اللي على السكينة اكتشفوا إنها بصمات أخوها ... فراحوا يقبضوا عليه وأنا جيت على هنا
كريم: وأنتوا متأكدين إنه محمد ؟
نعيم: كل الأدله ضده ، يعني بصماته على سلاح الجريمة دا كفاية أصلاً ، وعلى العموم لسه لما يقبضوا عليه ويعرضوه على البواب يمكن يقدر يتعرف عليه
صمت الجميع فلم يشعر أحد بالشك من قدرة محمد على محاولة قتل أخته فقد حاول من قبل تزويجها من المعلم حسونه وجعلها تعمل في سن صغيرة وضربها لأتفه الأسباب.
تعجب مراد وباسل فقط لما سمعوه ، فالعقل يأبى أن يصدق تكرر قصة هابيل وقابيل ولكن بشكل مختلف.
أما نعيم فقد كان يراقب تعبيرات الوجوه دون أن يضيف كلمة فقد أنهى ما لديه من حديث.


0 التعليقات:

إرسال تعليق